رفيق علي احمد يرغب بالعودة إلى المسرح
أعلن الفنان المسرحي اللبناني رفيق علي أحمد رغبته بالعودة إلى المسرح بعد قراره النزول عن خشبته عام 2015 نتيجة الظروف القاسية التي كان يعمل بها وحيداً دون دعم أو مساندة.. جاء ذلك أثناء لقائه طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق في فعالية ملتقى الإبداع التي يقيمها المعهد بشكل دوريّ. وقبل اللقاء بالطلاب، تجول الفنان أحمد في المعهد برفقة العميد د. تامر العربيد، مطلعاً على قاعاته وأقسامه.. وبيَّن للطلبة أن وجوده في المعهد بثَّ الحماس فيه وأوقد الجمر بداخله بعد أن عاش فترة إحباط دامت عدة سنوات، إلا أن جولته في المعهد حرّضته وحمّسته للعودة إلى المسرح، وقطع وعداً على التفرغ هذه السنة لإنجاز مسرحيّة سيقوم بعرضها في المعهد، مؤكداً لهم أنه لم يتردد لحظة في القدوم إلى سورية لأنه يدرك أهمية المكان الذي يتجه إليه، ومن موقعه شعر أن من واجبه التواجد فيه ليكون مع الطلاب الذين ما زالوا يحلمون أن يكونوا فاعلين ومؤثرين في الحركة المسرحية مستقبلاً.
غرد خارج سرب قريته
وبروحه المرحة وبساطته وعمق معانيه تحدث رفيق علي أحمد عن قريته الواقعة بالقرب من قلعة شقيف التي لا يمكن أن يتجه إليها أحد إلا إذا كان يقصدها، وعن ذلك الشاب الذي عاش فيها وغرّد فيها خارج سرب أبنائها المحافظين، وقد أصابته “لوثة” الغناء والرقص في بيئة لا تحبذ هذه الأمور.. وبعد إرضاء والده في أن يتعلم ومن ثم يعلّم أصبح حراً في اختيار ما يميل إليه قلبه، فقصد ما يلبي شغفه في المدينة ليطرق باب كلية الفنون التي قبلته ليكون أحد طلابها المميزين، مؤكداً للطلّاب أن أي معهد أكاديمي لا يخلق فناناً وإنما يصقل الموهبة الموجودة بداخله، مشيراً إلى أنه في السنة الأولى من دراسته تعرّف على روجيه عساف ويعقوب الشدراوي، وانضم إلى مشروعهما “فرقة الحكواتي” التي قدمت عروضَها في كل المناطق والساحات والمخيمات والمهرجانات، وقد استمر معها لسنوات طويلة، إلى جانب تجارب عديدة قدمها مع أسماء كبيرة في مجال المسرح كالطيب الصديقي ونضال الأشقر وغيرهما.
المونودراما
وأشار رفيق علي أحمد إلى أنه وفي سن الأربعين قرّر أن يعمل وحده من خلال المونودراما وفي نيته رواية سيرة الحرب اللبنانية، فكانت البداية مع مسرحية “الجرس” التي كتبها وأخرجها ومثّلها، وكان من المفروض أن يقوم بعرضها أربعة أيام، ولكن ما حدث أن عرضها استمر مدة أربعة شهور، موضحاً أنه وجد نفسه فيها، فمن خلالها حقق ما يطمح إليه وهو التعبير عمّا يعيشه المجتمع، مؤكداً أنه لا يبحث في المكتبات عن نصوص ليقدمها على خشبة المسرح بل يختار موضوعاته من الناس ومن مشاكلهم وآمالهم وأوجاعهم، منوهاً إلى أن كل أبطال مسرحياته يموتون في النهاية لا حباً بالموت بل لتسليط الضوء على ما يعانيه الناس من مشاكل يجب أن تُحلّ حتى لا تكون النهاية كنهاية أبطاله، مع إشارته إلى أن مهمة المسرحي ليست تقديم الحلول والإجابات إنما طرح الأسئلة وعرض واقع الحال وتبعاته عبر نص جيد وممثل جيد.
وقال رفيق علي أحمد أن المسرح كذبة كبيرة سرعان ما تتحول إلى ما هو أكثر صدقاً لأنه يقوم على وجود جمهور يعرف أن ما يُقدم إليه عبارة عن تمثيل، ومع هذا يتواطأ مع ما يُقدّم ويتفاعل معه ويتأثر به.
الراوي الممثل
قدّم رفيق علي أحمد مسرحياته في أغلب المسارح العربيّة ولَملَم حكايات الناس وقدّمها على المسرح، ملخّصاً مسيرته وتجربته المسرحيّة في كتاب حمل عنوان “الراوي الممثل على خشبة الحياة”، منوهاً إلى أنه وإن كان فخوراً بما أنجزه، وأن أكثر ما يؤلمه بعد كل هذه السنوات من العمل على خشبة المسرح أنه وصل إلى قناعة بفشله في التأثير، وهو الذي كان يعتقد أنه بعد كل مسرحية من مسرحياته ستخرج مظاهرة.. ومن مسرحية إلى مسرحية، بات يشعر أنه تحوّل إلى مهرّج يأتي الناس إليه كي يتسلّوا، لذلك قرر التوقف، وهو سعيد بوجوده في عتمة المسرح الذي كان يراه باتساع الكون.
مع الرحابنة
وبين رفيق علي أحمد إلى أنه كان يستمع إلى مسرحيات الرحابنة منذ أن كان في قريته من خلال المذياع، وعندما جاء إلى المدينة في عمر الخامسة والعشرين كانت أمنيته أن يتعرف عليهم، لتشاء الصدف في مسرحيته “الجرس” أن حضر منصور الرحباني العرض وعرض عليه المشاركة في مسرحية “آخر أيام سقراط” التي غنّى ومثل فيها، لتتالى أعماله مع الرحابنة بعد ذلك (“حكم الرعيان” و”دون كيشوت”)، فالمسرح الغنائي أو الاستعراضي يحتاج إلى ممثل يمتلك أدواته الجسدية والصوتية.
الزير سالم
بعد عشرين عاماً من المسرح، خاض رفيق علي أحمد أول تجربة تلفزيونية له من خلال الدراما السوريّة عبر “الزير سالم” (إخراج حاتم علي وكتابة ممدوح عدوان)، وحينها اكتشف أن العمل في التلفزيون يدرّ المال، لذلك قرر أن يأخذ هذا المال لينتج فيه مسرحية، خاصّةً وأن مسرحياته كانت تنتمي إلى المسرح الفقير البعيد عن البهرجة؛ وحين قرّر في مسرحية “جرصة” تقديم سينوغرافيا تشكيلية بصرية، توجه إلى أصحاب الأموال لدعم المشروع، إلا أنه فشل في إقناع أي منهم، في وقت كانت تُقدّم أموال طائلة لإنتاج الفيديو كليبات.
الفنان الحقيقي
ورأى رفيق علي أحمد أن المسرح ليس تراثاً عربياً على الرغم من وجود ظواهر مسرحيّة، وأنه ليس ضد الاستفادة من الثقافة الغربية، شرط ألّا نُقتلع من أرضنا، مشيراً إلى أنه على صعيد الشكل والمضمون هناك تجارب تراكمت عربياً، موجها النصح للطلاب بصقل الموهبة والشغف والبحث والتعلّم وبذل الجهد لأن مهنة التمثيل فيها إحباطات كثيرة، والدليل برأيه تساقط العديد من المواهب، في حين أن الفنان الحقيقي يتحمل ويمتلك الإرادة والشغف للاستمرار.
المسرح ملعبه
أجمعت الشهادات التي قُدّمت في اللقاء عن رفيق علي أحمد، من الفنانة اللبنانية نضال الأشقر والفنان العراقي جواد الأسدي والفنان العراقي عزيز خيون والفنان فايز قزق، على أن المسرح ملعبه وقدّم على منصته أعمالاً مهمة عبّرت عن آمال وهموم اللبنانيين، وهو المؤلف والمخرج والمنتج والممثل، وأحد أهم الأسماء المبدعة التي أثْرت الحركة المسرحيّة العربية.
وأشار سعد القاسم الذي أدار اللقاء إلى أنه ينتمي إلى الجيل سعيد الحظ الذي رأى فيه علي أحمد على الخشبة وأن مسرحية “الجرس” التي قدمها على خشبة مسرح الحمراء كانت عرضاً استثنائيّاً ومذهلاً وقد نال عنها جائزة أحسن ممثل في مهرجان قرطاج، وقد اختارته مجلة lexpress الفرنسيّة واحداً من الشخصيات المئة المؤثرة في لبنان، كما اختارته مجلة Time out واحداً من الشخصيات الأربعين التي تجعل بيروت مدينة عظيمة.