الأمن الغذائي العالمي والحرب في أوكرانيا
عناية ناصر
وفقاً لـ مؤتمر القمة العالمي للأغذية 1996، “يوجد الأمن الغذائي عندما يكون بمقدور جميع الناس إمكانية الوصول المادي والاقتصادي إلى الغذاء الكافي الذي يلبي حياتهم الغذائية والصحية في جميع الأوقات”، إلا أن هذا التعريف المقبول على نطاق واسع صعب للغاية، ويشير إلى أربعة أبعاد للأمن الغذائي هي: توافر الغذاء، والوصول إليه، واستخدامه، واستقراره.
في المقابل، يعني انعدام الأمن الغذائي عدم تلبية أحد هذه الأبعاد على الأقل، كما ويُظهر التعريف أيضاً أن الأمن الغذائي هو ظاهرة تدريجية، وأن انعدام الأمن الغذائي لا يعني الجوع تلقائياً. ولقياس حجم وشدة انعدام الأمن الغذائي، تمّ وضع تصنيف متكامل لمراحل الأمن الغذائي من بين أنظمة أخرى.
ومع ذلك، في أعقاب التقرير الأخير لبرنامج الغذاء العالمي “حجم أزمة الجوع وسوء التغذية العالمية الحالية”، من المتوقع أن يعاني هذا العام 350 مليون شخص من الجوع بأكثر من ضعف العدد في عام 2020. هناك أكثر من 900.000 شخص يعانون من الجوع، ويصارعون من أجل البقاء في ظروف شبيهة بالمجاعة، وهذا الرقم هو أكثر عشر مرات من الخمس سنوات التي مضت في زيادة سريعة بشكل مقلق.
تظهر هذه الأرقام الابتعاد عن هدف القضاء على الجوع بحلول عام 2030 بدلاً من الاقتراب من القضاء عليه. لكن بدون تغييرات أساسية وفورية في نظام الغذاء والتغذية العالمي، سيفشل المجتمع العالمي في الوفاء بوعده بالقضاء على الجوع، وسوء التغذية بحلول عام 2030، وسيكون هذا عاراً على العالم، والأكثر من ذلك أن معظم الخبراء يشاركون الرأي القائل بأن العالم يمكن أن يغذي ما يصل إلى 10 مليارات شخص!.
ويظهر تقرير حالة “الأمن الغذائي والتغذية في العالم” أيضاً الاختلال الجغرافي الهائل في الجوع، والتوزيع غير المتكافئ داخل المجتمع العالمي، والأثر الأشد لانعدام الأمن الغذائي على المحرومين بالفعل، حيث يعاني الأطفال أكثر من غيرهم من المجاعة والجوع. لقد عانى أكثر من 15 مليون طفل دون سن الخامسة في عام 2020 من الجوع “التقزم”، و45 مليون طفل آخر من “الهزال” أو نقص التغذية الحاد.
وفي التقرير نفسه، تمّ تحديد الدوافع الرئيسية للجوع، حيث كانت الدوافع السائدة هي الصراعات العسكرية المستمرة، والإرهاب الموجود مسبقاً، والصدمات الاقتصادية المرتبطة بكوفيد-19، وكوارث الطقس. كان هذا هو الوضع قبل اندلاع الحرب الأوكرانية، لكن الحرب تسبّبت بالعديد من المشكلات الإضافية، من بينها انعدام الأمن الغذائي للعديد من الأوكرانيين، وخاصة بالنسبة للمشردين، وكذلك أيضاً بالنسبة لأسواق السلع العالمية.
وفي هذا الخصوص قالت الأمم المتحدة، إن تأثير الحرب على سوق الغذاء العالمي قد يتسبّب في جوع ما يصل إلى 13 مليون شخص إضافي، ولاسيما في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خاصةً وأن أوكرانيا هي رقم 5 بين مصدّري القمح، ومسؤولة عن 8٪ من الصادرات العالمية، ورقم واحد في صادرات زيت عباد الشمس (39.5٪ من الصادرات العالمية).
بالإضافة إلى ذلك، لا ينبغي لأحد أن ينسى تقلب أسعار السوق العالمية للقمح، حيث تعدّ منطقة الشرق الأوسط والعديد من دول شمال إفريقيا أكبر مستورد، وبمجرد أن ترتفع أسعار القمح العالمية بشكل صاروخي، لا يمكن تجنّب زيادة انعدام الأمن الغذائي، وخاصة بالنسبة للفقراء في هذه البلدان.
إن محاربة الجوع تعني توفير الوصول إلى الغذاء، والتوزيع العادل للغذاء بين جميع البلدان، خاصة وأن هناك اختلالاً جغرافياً هائلاً وتوزيعاً غير عادل للغذاء داخل المجتمع العالمي.
كما أن الحرب الأوكرانية أدّت إلى تفاقم الأمن الغذائي داخلياً وعالمياً أيضاً بإضافة 13 مليوناً آخرين إلى الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ونتيجة لذلك يعدّ الوصول المجاني إلى موانئ البحر الأسود أمراً في غاية الأهمية من أجل جلب ما يكفي من الغذاء إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.