الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

لاحِقاً لِما سبَق

عبد الكريم النّاعم

دخل صديقي وفي وجهه إمارات ارتياح، فنحن في فصل الربيع، ولا هموم للمازوت، وما ينتج عنه نفسيّاً، وقال: “مقالك المنشور في صحيفة البعث (حديث الصباح، 25/ 4/ 2023) أثار العديد من الردود والتفاعلات، فلماذا بعض المقالات تلقى مثل هذا الاهتمام؟”.

قلت: “حين تلامس هموم الناس، وقضاياها الحساسة، فإنّهم يتفاعلون، كلٌ بمقدار، والاستجابة تعني عُمق المسألة المطروحة”.

قاطعني: “أنت طرحتَ مسألة احترام الكبير، والوقاحة التي تحملها ناشئة هذا اليوم، ولكنّك لم تُشرْ إلى الأسباب التي أوصلتْنا إلى ما فيه هذا النّشأ”؟.

قلت: “الأسباب كثيرة، ومُتداخلة، ومنها:

أسباب بيتيّة، وهذه تختلف بين أسرة وأخرى، فالأسرة المتعلّمة، والتي تكتفي بعدد قليل من الأولاد، تبدو تربيتُها مختلفة عن أسرة أقرب إلى الأميّة، كثيرة العدد، كما تختلف بين حيّ وآخر، ففي بعض الأحياء يفهم الآباء معنى أن تشكو من شقاوة أبنائهم المتروكين للشارع، وفي حيّ آخر يتنطّح بعض الجاهلين، والمغرورين للدفاع عن أبنائهم، منطلقين من أنّك اعتديتَ على (أملاكهم)!!

وللمدرسة دورها، إنْ سلباً وإنْ إيجاباً،.. قديماً، وقبل تعويم قرارات مُدهشة، تُعطي للطالب أكثر ممّا تُعطي للمعلّم.. قديماً كان مَن يشكو من “زعْرنة” مزعجة يهدّد صاحبها بأن يشكوه للمعلّم في المدرسة، كانت للمعلّم هيبته، وكان مسموع الكلمة، وكثيراً ما استنجد به الأهل على أولادهم، وكانت في الغالب الشكوى ذات نتائج إيجابيّة.

اسمح لي هنا بالاستطراد، وقد أشرتُ إلى بعض ذلك في مقالات سابقة، وأنا أتكلّم عن تجربة لي في التعليم، والتّوجيه، لا أريد أنْ أسوّغ للخوف الذي كنّا نشعر به من بعض المعلّمين، ولا أريد أن تكون العقوبات مؤذية، وكأنّها انتقاميّة، بل أريد ذلك القدْر الذي يحفظ للمعلّم هيبته، وكرامته، والذي يعتبر الطفل ابناً أو أخاً لذلك المعلّم، أمّا الآن فقد أصبح التلميذ يتنمّر على معلّمه، ويهدّده بأنّه يعرف المسموح من الممنوع، بحسب الأنظمة التي أصبحت نافذة منذ عدّة سنوات..”.

قاطعني: “هل تظنّ أنّ وراء تلك القرارات سوء نيّة”؟.

قلت: “لا يعلم ما في القلوب إلاّ الله، ولكنّني أُدرك أنّ أعداءنا الخارجيّين والداخليّين كُثُر، وأعلم من خلال متابعاتي الفكريّة، والسياسيّة أنّ الذين يخطّطون لتدمير هذه البلاد من أساسها، يعملون على النّفَس الطويل، فالجاسوس الإنكليزي همفري، حين رتّب ما رتّب لمحمد بن عبد الوهاب مؤسس الوهابية، في نهايات القرن 17، اشتغل على ذلك، بمَن معه لسنوات طويلة، كذلك فعل الذين خطّطوا لإنشاء زعْم وطن قوميّ لليهود الصهاينة في فلسطين، ولا شكّ عندي أنّ ما كانت تَعِد به معطيات المنطقة فيما سُمّي بسنوات النّهوض أقلق تلك الدوائر العميقة في مراكز التخطيط الغربيّة، وليس بعيداً أن تكون ثمّة خطط، لا خطّة واحدة، لإبقاء المنطقة غير مستقرّة، بل وتعاني من حرائق متسلسلة لا تتوقّف”.

قاطعني: “هل تُشير إلى شيء محدَّد”؟.

قلت: “أنا أتكلّم في العموميّات، بما تنطوي عليه من ملامح خصوصيّة، ولا أستطيع اتّهام أحد بعينه، وهنا ثمّة إشارة مهمّة، وهي أنّ تسليم غير المؤهَّل، لموقع ما، يوازي في الخطورة أن تُسلّم هذا الموقع لعدوّ مؤهَّل، لأنّ النتيجة ستكون واحدة في الحالين، وهذا لا ينسحب على “التعليم” وحده، على ما له من أهميّة، بل ينسحب على بقيّة المواقع، وبظنّي لو أنّنا منذ البداية وُفّقنا في اختيار أصحاب الكفاءات الوطنيّة، نظيفي اليد، لَكنّا أقمنا جدران قلعة يصعب اختراقها”..

قال: “هل تظن أنّه فات الأوان”؟

قلت: لو كان ذلك لدخلتُ منطقة اليأس التي لا أريدها لأحد.

aaalnaem@gmail.com