العمّال أيادٍ خشنة وقلوب ناعمة
غالية خوجة
جميعنا عمّال ما دمنا في خدمة الوطن، والعامل كما نعرف ذلك جميعاً هو من يعمل في أي مجال واختصاص، وتغلب عليه صفة الكفاح بمحبة في هذه الحياة من أجل بناء الذات والأسرة والمجتمع، ولذلك، قدّست الأديان العمل مهما كان نوعه، وشجّعت عليه، ومن ينسى الحديث الشريف: “احتطبْ ولا تمدّ يداً للناس”.
ولأن الأيادي الخشنة رمز للقلوب الناعمة، كان لا بدّ من يوم عالمي للعمل والعمال لينالوا حقوقهم، وذلك مع نهاية القرن التاسع عشر، ومنها أن يعملوا فقط 8 ساعات يومياً.
ونحن في سوريتنا الحبيبة نعتبر هذا اليوم عيداً وطنياً وعطلة رسمية، فتقام فيه المؤتمرات والاحتفالات، خصوصاً، وأن الفئة العاملة في هذا الوطن هي كله تقريباً، ولن ننسى كيف قدّم العمال شهداء وجرحى للوطن، وفي كافة المجالات والجهات والجبهات، في البريد والكهرباء والمياه والصيانة والبناء والنظافة والمصانع والمعامل والمدارس والجامعات والخدمات الأخرى.
من حق العامل أن يحتفل بعيده متفائلاً بظروف عامة أفضل بعد الحرب والزلزال، يزول فيها الحصار الخارجي، وملوثاته الداخلية من جشع وطمع واستغلال وفساد وتسوّل، لتنبني البوصلة باتجاه الإنسان كقيمة عليا في الواقع، وهذا ما أكد عليه سيادة الرئيس الدكتور القائد بشار الأسد في شعاره “الأمل بالعمل”.
صحيح أن العامل والفلاح من الشخصيات الحياتية البسيطة ظاهرياً لكنها شخصيات قوية لتمسّكها بوطنها وأرضها وعملها رغم جميع الصعوبات، ومنها صعوبة الموازنة بين الدخل وتكاليف الحياة، وصعوبة البحث عن الأفضل للحياة وتطويرها، إضافة إلى الصبر كميزة أساسية للاستمرار في الحياة من خلال العمل، وتخريج الأبناء من المعاهد والجامعات، والمساهمة بثقافة التأقلم والأمل في زراعة المزيد من القوة في النفوس التي ترى في الأخلاق والعقل والفعل مخرجاً من كلّ ضيق، لأن الفلوس تأتي من خلال العمل، لكنّ بناء النفوس لا يأتي من خلال الفلوس، بل من تلك الفسحة الشهمة التي يربّي عليها العامل والعاملة أبناءهما وأسرتهما لتعكس أفضل صورة عنهما، وبالتالي، عن المجتمع.
العمل مضاد حيوي للألم، ومنشط طبيعي للأمل، وقاتل للملل، ومقدّس لأنه ناتج المحبة، ومحفز لنضج الشخصية، ولقد تناولت الكثير من الأعمال الأدبية والسينمائية والتلفازية والمسرحية والشاشة التكنولوجية العاملَ والعمل كموضوع محوري محلي وعربي وعالمي، ومن تلك الأفلام نذكر “العصور الحديثة” (تشارلي شابلن. 1936)، الذي يلخص معاناة تشارلي المشرد في مصنع بدأت فيه الآلة تأخذ مكان الإنسان، وما يلاقيه من أحداث ومآس درامية، منها رفعه لعلم أحمر سقط من عربة نقل ليعيده إليها لكن عمال المصنع الغاضبين الخارجين في تلك اللحظة يحسبونه دعوة للمظاهرة، فيصبح بالمصادفة قائدها، وينال السجن إلى أن يخرج منه ويلتقي بفتاة شريدة مطلوبة للعدالة، فيتشردان في هذه الحياة.
وفيلم “سائق الشاحنة”، وهو أول فيلم سينمائي سوري (1967)، من تأليف نجاة قصاب حسن وإخراج اليوغوسلافي بوشكوفو تشينيتش، ويتحدث عن حلم شاب طامح في أن يكون سائق شاحنة ويتزوج من قريبته التي يحبها، ويدافع عن حقوق العمالة ضمن أحداث درامية متنقلة في المكان.
بينما تناول المسرح شخصية العامل في أعمال عديدة، منها مسرحية “الزبال” للمؤلف ممدوح عدوان، والمخرج د. وانيس بندك، وما تتضمنه من إيحاءات عامل النظافة ومهنته وكشفه من خلال أكياس القمامة عن الناس، وأخيراً، ليس أجمل من نشيد “يا شباب العرب” للشاعر سليمان العيسى وألحان إلياس الرحباني، كوننا جميعاً عمالاً مجتهدين للوطن: “نحن فلاح وعامل، وشباب لا يلين، نحن جندي مقاتل، نحن صوت الكادحين، من جذور الأرض جئنا، من صميم الألم”.