كان لهم ما أرادوا والنتيجة عكسية.. ارتفاع أسعار مواد أعفيت من التمويل عبر المنصة عما كانت عليه قبل الإعفاء!
دمشق – حسن النابلسي
لاشك أن ثمة ملفات من العيار الثقيل تتربع على أجندة وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، يتصدرها على المستوى الشعبي –إن صح التعبير- الارتفاع المستمر للأسعار غير المتوائم مع القدرة الشرائية المستمرة بالتآكل في ظل ارتفاع معدلات التضخم.
أما على مستوى المستوردين من التجار فنعتقد أن أهم معضلة تتمثل بضبط تجاوزاتهم وانعكاسها بالضرورة على ضبط الأسعار ولاسيما المتعلقة بتحديد هوامش والاحتكار بغية رفع الأسعار بشكل يواكب سعر صرف السوق السوداء.
يضاف إلى ذلك مشكلات الرغيف كـ”جودته وانسيابه السلس عبر المعتمدين”، وتوافر المواد الأساسية في السورية للتجارة بأسعار منافسة، والاشتغال على نزاهة المراقبين التموينيين.
إذا ما تمحصنا قليلاً في هذه الملفات نجد أن حلها يكمن حقيقة بالتجار أنفسهم، فهم أس المشكلة والحل بآن معاً، بدليل أن الكثير منهم اعترض على مبدأ تمويل المستوردات عبر المنصة معتبرين أنها السبب الرئيس بارتفاع الأسعار، مطالبين بإعفاء مستورداتهم من التمويل عبر هذه المنصة حتى تنخفض الأسعار كشرط لابد منه، فكان للكثيرين منهم وخاصة مستوردي الغذائية ما أرادوا، لتكون النتيجة عكسية تماماً، إذ تفيد بعض التقارير التي رصدت أسعار المواد التي أعفيَ تمويلها من المنصة والمعدة من قبل غرف التجارة والصناعة، أن أسعار السردين والتونا وحليب بودرة الأطفال والزيت والمواد الأولية للصناعات الهندسية “لوائح وصفائح السليلوز المجدد وغيرها”.. والقائمة تطول قد ارتفعت، بعد إعفاء تمويلها من المنصة رغم ثبات سعر الصرف قبل وبعد الخروج من المنصة خلال فترة الرصد الممتدة من 1/1/2023 ولغاية 20/2/2023 قبل الإعفاء، وما بين 21/2/2023 ولغاية 19/3/2023 بعد الإعفاء!
وتفيد التقارير التي حصلت “البعث” على نسخة منها أن سعر علبة السردين على سبيل كان خلال الفترة ما بين 1/1/2023 ولغاية 20/2/2023 “أي قبل الإعفاء” يبلغ 4200 ليرة ليرتفع إلى 4500 ليرة خلال الفترة ما بين 21/2/2023 ولغاية 19/3/ 2023 “أي بعد الإعفاء” ، وكذلك الأمر بالنسبة لحليب بودرة الأطفال التي ارتفع سعر الـ900 غرام منها من 36000 إلى 39000 ليرة، وزيت الصويا من 15500 إلى 16000 ليرة، وغيرها من المواد!
نتفهم تحفظ التجار والصناعيين على التمويل من المنصة نظراً لبطء بعملها الشديد، وبالتالي إبطاء رأس المال لمدد زمنية قد تصل إلى أربعة أشهر، لكون أنه يتوجب على التاجر المستورد تسديد 50% من قيمة البضاعة بالليرات السورية لدى المنصة، وذلك عند تقديم طلب التمويل بعد الحصول على إجازة الاستيراد، واستكمال المبلغ المتبقي خلال مدة شهر من إدخال البضائع ووضعها بالاستهلاك المحلي، بينما يتوجب على الصناعي المستورد للمواد الأولية اللازمة لصناعته تسديد 30% من قيمة البضائع عند التقدم بطلب التمويل، وإدخال المبلغ المتبقي خلال شهر من إدخال البضاعة، لكنهم في النهاية “أي التجار والصناعيين” هم بمنأى عن الخسارة، لأن أي اختلال بسعر الصرف سرعان ما يتفادونه ويبيعون منتجاتهم بناء على السعر المعتمد في السوق السوداء.
سبق وأن أشرنا إلى أن كبار التجار والمستوردين هم المتهم الأول بانفلات الأسواق وما ينتابها من فوضى على مدى سنوات طوال، ومردّ اعتقادنا أن المنهج التجاري لهؤلاء – ولاسيما الرعيل الحالي منهم – يتناقض مع ما خطّه أسلافهم من أدبيات تجارية ذات أبعاد اجتماعية، من قبيل محاربة الاحتكار بأشكاله كافة، وأن التجارة في النهاية ربح وخسارة، بينما نهج الرعيل الحالي للأسف أن التجارة هي ربح وربح فقط!