العلاقات السورية – الإيرانية نقطة توازن في التحوّل الاستراتيجي
علي اليوسف
لا شك أن الحرب على سورية شكلت نقطة تحول في العلاقات التجارية والاقتصادية والعسكرية بين طهران ودمشق، فمنذ الأيام الأولى من بدء الحرب أدركت إيران حجم المؤامرة وهدفها الرئيسي بقصم ظهر محور المقاومة من خلال تدمير وإسقاط قاعدته المركزية سورية، وإضعاف قوتها في مواجهة العدو الصهيوني، فقدمت طهران كل أشكال الدعم لسورية، سواء الاقتصادي أو المالي أو الاستشاري العسكري، ووقفت إلى جانبها في إسقاط المؤامرة الكونية عليها.
وقفت إيران إلى جانب سورية خلال الحرب التي شنت عليها مع بدء الأزمة، وأرسلت المستشارين العسكريين الذين لعبوا دوراً كبيراً في إعادة ترتيب الصفوف، ومواجهة الجماعات الإرهابية التي تدفقت إلى سورية من كل حدب وصوب، تنفيذاً لأجندة غربية صهيونية أمريكية هدفت إلى تدمير سورية أحد أركان محور المقاومة الرئيسية، كما نمت العلاقات الاقتصادية بين سورية والجمهورية الإسلامية الإيرانية.
العلاقات الاقتصادية بین إیران وسوریة
بعد انتصار الثورة الإسلاميّة الإیرانیة، شهدت العلاقات الاقتصاديّة بين سورية وإيران تطوّراً ملحوظاً في ظل مناخ التقارب السياسي الذي ساد بين البلدين، إلى أن بلغت العلاقات الاقتصادية بين طهران ودمشق ذروتها بين عامي 2000 و2010.
في آذار عام 1982، وصل وفد سوري رفيع المستوى إلى إيران لتطوير مجالات التعاون الاقتصادي والسياسي، وأبرم الطرفان مجموعة من الاتفاقيات التجارية والنفطية لتكون الأولى من نوعها بعد قيام الثورة الإسلامية الإيرانية. كان أهم ما جاء في الاتفاق تصدير إيران لسورية 9 ملايين طن من النفط سنوياً مقابل تصدير سورية لإيران 300 ألف – 400 ألف طن من الفوسفات لعام واحد ثم تقوم برفع حجم صادراتها إلى مليون طن لاحقاً .
وفي العقد التالي، في 24 أيلول 1990، اتفق الطرفان على إنشاء شركات مشتركة في مجالات استثمارية مختلفة، خاصة في قطاع المقاولات، ثم عقدت اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين جلستها الأولى قرب نهاية النصف الأول من عام 1996.
ومع بدء الحرب الإرهابية على سورية، تطور التعاون الاقتصادي بين البلدين، ليأخذ أشكالاً جديدة كتقديم إيران لسورية الدعم خلال الحرب، كما كان للعلاقات الاقتصادية أثرها الكبير خلال العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على سورية، ولا تزال هذه العلاقات تأخذ مساراً تصاعدياً تمثّل في إبرام العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية خلال السنوات الأخيرة.
بعد اندلاع الحرب الإرهابية على سورية، عقد الجانبان الإيراني والسوري اتفاقية التجارة الحرة التي نصَّت على خفض الحواجز الجمركية تدريجيّاً، وهو ما استُهدف من خلالها آنذاك رفع حجم التبادل التجاري إلى ملياري دولار في الأعوام التالية.
وتشير مؤسسة تنمية التجارة الإيرانية إلى صعود حجم التبادل التجاري بين البلدين من 430 مليون دولار في عام 2010 إلى 869 مليون دولار في عام 2014. وفي عام 2019 تم توقيع 11 اتفاقية تعاون بين سورية وإيران في المجالات الاقتصادية والعلمية والثقافية والاستثمار والإسكان، وذلك في ختام اجتماعات الدورة الـ 14 من أعمال اللجنة العليا السورية- الإيرانية المشتركة التي عقدت في دمشق.
يتمحور تأثير العلاقة السورية الإيرانية حول موقع ودور سورية في الصراع العربي الصهيوني، وإجهاض هذه العلاقة للأهداف الأمريكية – الإسرائيلية الاستراتيجية نفسها من الحرب على سورية، وتأمين حماية أمن الكيان المؤقت، فالمعادلة السورية الإيرانية من التقارب تعني الوقوف في وجه التوسع الصهيوني.
من هنا تبدو زيارة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي إلى دمشق بالغة الأهمية، وتتويجاً لمرحلة طويلة من الشراكة الإستراتيجية التي غذتها الدماء المشتركة في الميدان دفاعاً عن الأرض والمصير. كما أن هذه الزيارة تكتسي أهمية خاصة من ناحية التواصل على مستوى تعزيز العلاقات بين البلدين لمواجهة كل التحديات الاستراتيجية على المستويات الاقتصادية والعسكرية والأمنية، وهي ضرورية لتأكيد الالتزام بالخيارات المقاومة لدى كل أطراف محور المقاومة بما يعنيه ذلك من استمرار العلاقات على مستواها الحالي المرتفع وتدعيمها بشكل متواصل، والاستعداد للانخراط في عملية بناء الشرق الأوسط الجديد والعالم متعدد الأقطاب الخالي من الهيمنة الأمريكية.
هذه الزيارة مهمة جداً كذلك على المستوى الاقتصادي، لأن هناك بعداً اقتصادياً يجب العمل عليه كثيراً على اعتبار أن السياسة هي البنية الفوقية للاقتصاد، وحين تكون هناك علاقات اقتصادية ذات تشبيك جيد وفيها الحد الأعلى من التكامل، فهذا يدعم العلاقات الإستراتيجية بكل تأكيد، كما أنه عندما تكون الخيارات الاقتصادية في مكان والخيارات السياسية في مكان آخر فهذا ينتج حالة من عدم الاستقرار الذي يصرف دائماً من قبل الغرب بصيغة ضغوط إقتصادية تهدف إلى تغيير المنطق السياسي.
وعندما تكون هناك علاقات اقتصادية قوية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية والحلفاء والشركاء في روسيا الاتحادية والصين والفضاءات الاقتصادية الصاعدة فهذا يمنح مساحة أكبر لاستقلالية القرار السياسي، ويدعم الموقف لصد الضغوط الغربية والأمريكية التي تمارس على سورية، كما أنه عندما تكون هناك أجواء لفض الاشتباك الإقليمي على جانبي الخليج فهذا يساعد في تحسين العلاقات ما بين سورية والإطار العربي.
إن النتائج الاقتصادية للزيارة لن تقل عن النتائج السياسية خاصة وأنها تأتي في ظل توقف القتال من جهة، والانفتاح العربي على سورية من جهة ثانية، وما يترتب على هذا الأمر من إعادة الاعمار وتنشيط الدورة الاقتصادية للبلاد التي عانت كثيراً من ويلات الحرب.
وكما قدمت الجمهورية الإسلامية الايرانية كل الدعم المطلوب لسورية عسكرياً وفي المجال الاقتصادي، لن تبخل عليها بعد الحرب في إعادة الاعمار، خاصةً أن هناك جهوداً ايرانية حثيثة لتنمية شتى قطاعات الاقتصاد السوري، وخاصة في مجال الكهرباء حيث بدأت بإنشاء وترميم العديد من المحطات الكهربائية السورية.
اليوم، وعلى الرغم من محاولات البعض قطف ثمار الصمود السوري، دولة وشعباً، من بوابة إبعاد سورية عن حليفها الإيراني، لا تزال دمشق الحليف الاستراتيجي لطهران، وتسجّل يوماً بعد يوم المزيد من الثبات والممانعة والقدرة على تغيير المعادلات في الوقت المناسب.
إن التحالف الإيراني السوري بمنأى عن التشوهات التي يحاول أن يرمي بها البعض هذه العلاقة في محاولات فاشلة لزرع الخلاف، فالتجربة على أرض الواقع وفي مختلف الميادين، وعلى مدى أكثر من عقد تشير إلى تماسك هذا التحالف، والتمسك بالثوابت المشتركة، والتوافق على الصمود في خندق واحد، حيث يشكّل التحالف بين البلدين قوة يعتدّ بها في مشروع محور الممانعة، وحفظ المصالح العليا الاستراتيجية للبلدين. وتسجّل التطورات الإقليمية مؤخراً، وفي طليعتها الاتفاق السعودي الإيراني، نقطة تحول استراتيجية ستظهر تأثيراتها تباعاً في مستقبل دول المنطقة، لكن يبقى التحالف الثنائي الإيراني السوري نقطة توازن هذا التحوّل التي ستحدد اتجاه التأثيرات ومداها في المنظور غير البعيد.