ثقافةصحيفة البعث

فيلم “الطريق”.. بين أمّ أديسون وجدّ صالح

حلب – غالية خوجة

فيلم “الطريق”، للمخرج والمؤلف السينمائي عبد اللطيف عبد الحميد، يبدو بلا طريق مكاني، ولكنه يركّز على طريق معنويّ، ينطلق بخطوته الأولى من قصة أديسون مع المدرسة وأمه، ليتحوّل إلى الحفيد صالح ومثّل دوره غيث الضاهر وجده صالح ومثّله موفق الأحمد، ويتفرع إلى طريق العقل والعلم بوعي الجد الأستاذ الجامعي المتقاعد من جامعة طرطوس الذي ينهض بتربيته واهتمامه وتعليمه منذ الصف السابع، بعدما ترسل معه هيئة مدرسته الكائنة في قرية من ريف طرطوس رسالة ينكشف فحواها بأن الحفيد غبي ولا يمكنه أن يتعلم، وهي الرسالة التي وصلت لأم أديسون فقرّرت التحدي وتعليم ابنها بنفسها ليفاجئ العالم باختراعاته الكثيرة.

وكذا، يبدأ تحدي الجد للظروف من خلال تفكيره بتحويل صالح من شخصية سلبية نكدية إلى شخصية إيجابية تجد الحلول، فلا يرسله إلى المدرسة لأنه يقنعه بأنه عبقري على عكس رسالة المدرسة، ويحبّبه باللغة العربية والعلم ابتداء من طلبه منه الجلوس على الطريق ليكتب ما يجري من أحداث تتكرّر مشاهدها مع الشخوص ذاتها، وهذا التكرار جعل إيقاع السرد المشهدي بطيئاً ومملاً رغم محاولة توظيفها بأسلوب كوميدي.

يسجّل الفيلم يوميات هذه البيئة الريفية بلهجتها الساحلية، وتفاصيلها التصويرية والواقعية، ليجعل منها في الخاتمة رواية صاغها الجد مما كتبه حفيده الذي تابع تعليمه وأصبح طبيب أعصاب متخرجاً من فرنسا، ويحتفل به جده مع أهل القرية ويكشف لهم مضمون رسالة المدرسة.

وللطفل سيرة متشعبة بين أبيه المتزوج من امرأة ظالمة بعدما توفيت أمه، وحبه لزميلته إلهام في الصف وابنة جيرانه ومثلتها راما زين الدين، وتجسيد هذا الحب كان أكبر من منطوق الشخصيتين، وهما أصغر من الغيرة التي أبداها الطفل عندما شاهدها مع صبي آخر، إضافة لرعاية جده له لدرجة أنه بنى له مدرسة وبدأ بتدريسه مع أساتذة في كافة الاختصاصات، وهذا من غير الممكن أن يفعله أي أب أو جد، كونها فكرة غير واقعية في فيلم واقعي.

الفيلم الذي كتبه مخرجه مع عادل محمود وأنتجته المؤسسة العامة للسينما فاز بثلاث جوائز في مهرجان أيام قرطاج- الدورة 33 عام 2022، جائزة الجمهور وجائزة أفضل ممثل لموفق الأحمد، وجائزة أفضل سيناريو، ينبني على جماليات أيضاً، أهمها طبيعة المكان وعمرانه والبعد المثقف للجد وشخصية الشاعر التي مثلها أحمد كنعان وهو يردّد أبياتاً لكل من عنترة وعمر أبو ريشة وسعيد عقل.

كما أن البعد الإنساني والاجتماعي حضر مع شخصية الأم المرضعة وأدّتها تماضر غانم، إلاّ أن شخصية الأب ومثّله ماجد عيسى الذي سافر إلى الرميلان للعمل كانت سلبية أو غير حاضرة في حياة ابنه إلاّ في بعض الزيارات، كما أن الحفيد ظهر متقوقعاً بين جده والهدف الذي رسمه له، فبدا منعزلاً اجتماعياً وبلا أقران يلعب معهم ويحاورهم لولا جلوسه على كرسي ليكتب ما يحدث في هذا الطريق.

وبالمقابل، تمتّعت أغلب الشخصيات بألفاظ نابية، وكانت شلة الأشرار تذهب لقتال أشباح، ربما، وتعود، وهكذا دواليك، وهذا القتال غايته أن يفسّره كل مشاهد كيف يشاء دون معرفة الطرف الآخر رغم فكاهية الشلة وألفاظها، وكذلك تكرارية شخصية المصاب بالمواسير وأداها مأمون الخطيب، فقد كان من الممكن اختزال الكثير من التكرارات والمشاهد الرتيبة والأفقية، وعملية التلقين التي تمّت للمشاهد أيضاً.

ترى، ماذا لو تحدّث الجد الجامعي بالفصحى على الأقل مع حفيده الذي يريد أن يبنيه بطريقة نفسية وعلمية؟ وماذا لو تشعّبت مسارات الأحداث والأمكنة والفصول؟ وماذا لو لم نتوقف عند شرح المفردات؟ وماذا لو اختزلنا التكرارات والرتابة لصالح التخلص من الإيقاع البطيء الذي أصاب المتلقي بالملل؟ وماذا لو تماوجت اللغة البصرية مع سردياتها ببُعد عمودي؟.

فيلم “الطريق” الذي عُرض على منصة عمر حجو في المركز الثقافي العربي بالعزيزية، ضمن العرض الجماهيري في المحافظات السورية، وضمن فعاليات النادي السينمائي بحلب والذي يقدمه الفنان غسان دهبي، ورغم تفاصيله اليومية المكررة، يحمل رسالة إنسانية اجتماعية هادفة مبنية على خلفية حدثت مع شخصية أديسون، وقابلة لأن تحدث مع أي إنسان آخر في كل زمان ومكان، وقابلة للمعالجة في ما إذا كانت البيئة المقرّبة من الإنسان قادرة على تفهمه، ولكن، تظلّ كيفية المعالجة الفنية لهذه الفكرة المشوقة والهادفة مهمّة لتجسيد الثيمات الموضوعية بثيمات أكثر تشويقاً وجمالية.