أصدقاء الأيام الصعبة
د. عبد اللطيف عمران
لعلّ من أبرز ملامح نجاح زيارة السيد الرئيس إبراهيم رئيسي إلى سورية، وظهرت أول ما ظهرت، هو رأي الإدارة الأمريكية بهذه الزيارة، والذي اعتبر بوقاحة سافرة أن (توثيق العلاقات بين سورية وإيران مبعث قلق)، وجاء مواكباً للتحذيرات المبطنة للميديا الصهيونية وقلقها أيضاً من أنها (زيارة تاريخية).
ومن الطبيعي أن هذا القلق دليل واضح لا يقبل الجدل على أن التحالف الصهيوأمريكي هو من أخطر عوامل الاضطراب والخراب والعبث والدمار والقتال في هذه المنطقة، وفي العالم أجمع أيضاً.
وبالمقابل، وكرَدّ مسبق، فقد جاءت هذه الزيارة لتعكس قناعة كل من سورية وإيران بقوة ووثوقية تحالفهما وصوابية خياراتهما المقاومة، من جانب، و لتعزز إيمانهما بضرورة (استثمار الفرص الإيجابية الراهنة المتمثلة في تحسّن العلاقات بين عدد من دول المنطقة انطلاقاً من بديهية أن دول المنطقة وشعوبها إما تربح سويّةً أو تخسر سويّةً)، في زمن (أفول قوى الهيمنة)، كما أوضح السيد الرئيس بشار الأسد.
لقد أتت هذه الزيارة في سياق انعطافة تاريخية في الواقع الراهن للمنطقة التي رزحت طوال عقد ونيف من السنين تحت مظاهر متشابكة وأزمات مركبة ومتراكمة طالت شعوبها وحكوماتها وحقوقها وأمنها وتطورها، وهي مظاهر أجّج نيرانها المضطرمة تحالف صهيو أطلسي بغيض، خبيث ومتوحش، استثمر أبشع استثمار في التطرف والتكفير والإرهاب، وكان وقوده البشر والشجر والحجر، ومئات آلاف الضحايا، ليستفيق هذا التحالف على هذه الانعطافة نحو مناخ الحوار والمصالحة والوعي الحقيقي بمصالح مجتمعات وشعوب وأوطان المنطقة، وعلى تاريخ يمضي بخطى مدروسة وفاعلة وواسعة نحو نظام عالمي جديد بعيد عن الهيمنة وأحادية القطب، مركزه الشرق الجيوسياسي، وكل القوى والتيارات والمؤسّسات في العالم الساعية إلى الاستقرار والأمن واحترام حقوق الإنسان والقانون الدولي، وإنسانية الإنسان، وعلى إدراك المخاطر المحدقة بشعوب الأرض جرّاء التهديد بالعقوبات أحادية الجانب، وبالحصار وحياكةِ المؤامرات الواحدة تلو الأخرى على شعوب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
والحقيقة الناصعة، المهمّة والمفيدة من قراءة وقائع هذه الزيارة بأسبابها –مجرياتها – نتائجها تسطع بشكل واضح من الحديثين المختصرين للسيدين الرئيسين بشار الأسد، وإبراهيم رئيسي، في الاجتماع الموسع، وفي الإفادة الصحفية لكل من سيادتيهما، إذ تضمّنت الأحاديث المقتضبة دلالاتٍ قويةً ومهمةً وبليغةً أيضاً تغني عن الشرح والتعليق لأنها أتت تتويجاً لمضامين الاتفاق الإستراتيجي (طويل الأمد)، لكن مع هذا لا بد من تخيّر بعض الخطوط العريضة التي عبّر من خلالها السيدان الرئيسان عن روح هذه الزيارة وعن جوهرها وقيمتها العالية، ومنها:
*- حديث السيد الرئيس بشار الأسد عن أن هذه الزيارة (تكتسب أهمية خاصة في ظل التحولات العالمية وما تفرزه من تحولات إقليمية أتت لتثبت صحة المبادئ السياسية لكلا البلدين، فالمخاض العالمي والإقليمي بحاجة لمزيد من التمسّك بالثوابت، وبالحقوق، وبالسيادة، وبالدفاع عن المصالح، لا تقديم مزيد من التنازلات تحت عنوان الانحناء للعاصفة).
*- حديث السيد الرئيس إبراهيم رئيسي عن أننا (نحن أصدقاء الأيام الصعبة.. هذا التواصل بين سورية وإيران حكومةً وشعباً امتزج بالدماء، هذا الامتزاج هو رمز هذه العلاقات، ولا يمكن إحداث شرخ فيه… آمل أن نشهد الأيام المليئة بالفرح والنجاح والتوفيق لبلادكم، فبأياديكم ستزيلون آثار الحرب، وتعيدون الإعمار، والمهجّرين ).
ولا شك أن الاتفاقات العديدة والمتنوعة بين فريقي كل من حكومتي البلدين ستسهم في زوال الأيام الصعبة، ليس في البلدين فقط، بل على المستويين الإقليمي والدولي، ومن هنا يكمن القلق الصهيوأمريكي.
نحن وإيران أصدقاء الأيام الصعبة، حلفاء، وشركاء أيضاً في الحرص على الحقوق، وفي القيام بالواجبات تجاه المصالح الوطنيّة، وقضايا العروبة والإسلام المركزية والحضارية.
ونحن أيضاً أصحاب الرؤى والخيارات المشتركة الذين انتظروا عقوداً طويلة لتتأكد صوابية مواقفهم وأحقية رهاناتهم، قبل أن تتوّجهم التطورات الإقليمية والدولية الراهنة كأول المبشرين والمقاومين في سبيل نظام عالمي جديد، وأول من وضع لبنة في بناء مستقبل هذا النظام.