ازدياد أعداد الأطفال المتسولين يدين التربية بالتسرب المدرسي ويفاقم الاضطرابات النفسية والجسدية
دمشق- البعث
التسول حالة اجتماعية، فالشخص المتسوّل ليس مريضاً نفسياً، وليس لديه أية اضطرابات نفسية باستثناء الطفل الذي ينشأ في هذه البيئة فيكون مجبراً على مناجاة المارين لجلب مبلغ معيّن من المال في نهاية اليوم بتأثير عنف أهله أو ذويه، هذا ما أشار له اختصاصي الأمراض النفسية وطب نفس الأطفال الدكتور ثائر العيد الذي أكد على انعكاسات ونتائج التسول على الأطفال، إذ يشعر الطفل المتسول بأنه أدنى مستوى من الآخرين، ويصبح ضعيف الشخصية، وغير واثق بنفسه، كذلك أشار إلى أن الطفل الذي يتسوّل يتعامل مع أناس أكبر منه سناً، ويقضي أغلب وقته في الشوارع والحدائق دون رقابة أو عناية، فيتعرّض في كثير من الأحيان إلى تحرش لفظي أو جسدي مما يسبّب له اضطرابات جنسية أو نفسية مستقبلاً.
وأضاف العيد أن الأطفال المتسولين أغلبهم متسرّبون من المدارس ومحكوم عليهم بمستقبل فاشل، حيث يصلون إلى عمر 15 أو 20 بدون مهنة أو شهادة، مؤكداً ضرورة اهتمام المعنيين من وزارات وجمعيات بهذه الحالات لما لها من تأثير سلبي على المجتمع ككل.
بدورها المعالجة النفسية هالة السيد أكدت أن التسول في السنوات الأخيرة أصبح أمراً شائعاً بسبب ظروف الحياة الصعبة، وسهولة التسول مقارنة بالعمل المضني، والموضوع معقّد عند الطفل كونه يعتاد منذ نشأته على أخذ المال من الآخرين لتأمين احتياجاته، ومقارنة بوضعه وبوضع أسرته، فأخذ المال أفضل من الذهاب إلى المدرسة أو الشعور بالجوع.
وترى السيد أن هناك بعض العائلات التي تدفع بأطفالها إلى التسول، وكذلك هناك أطفال مُستغلون من أفراد لجمع المال مقابل أجر زهيد أو حتى لقمة العيش. وأشارت إلى عدم إمكانية لوم طفل قاصر بل يجب توجيه اللوم لمن يدفعونه لهذا السلوك.
ولا شكّ أن الأطفال المتسولين يجب أن يكونوا على مقاعد الدراسة، وأن تقدم لهم الرعاية والحماية، وهنا يأتي دور وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل للوقوف على هذه الظاهرة ونتائجها الخطيرة على المجتمع، والتشديد على القوانين وتطبيقها، هذا ما أكده دكاترة علم الاجتماع الذين التقيناهم، حيث أشاروا إلى أن هذا الطفل سيكبر في المستقبل، وربما سيتحول إلى سارق بعد أن اعتاد في طفولته أخذ المال، أو يتحول إلى شخص بالغ لا يرضى عنه المجتمع ولا عن سلوكياته.
وأوضحوا أن هناك الكثير من العوامل التي تدفع الأطفال للتسول، أبرزها حاجة الأطفال أنفسهم أولاً، وتشجيع أسرهم لهم ثانياً، ووجود من يقدم المساعدة لاعتبارات إنسانية وأخلاقية وخيرية، بالإضافة إلى احتمال وجود جماعات مستفيدة منهم، تعمل على توظيفهم والاستفادة منهم، كما أشاروا إلى أن ظاهرة التسول في ظروف الحرب أخذت أشكالاً جديدة يمكن أن تكون أكثر خطورة مما كانت عليه في الماضي، حيث ازدادت مستويات الفقر كثيراً، واتسعت ظاهرة الأسر التي غيّرت مكان إقامتها، ونمت ظاهرة تشرد الأطفال، فجعلت شريحة كبيرة منهم التسول مصدر دخلها.
من جهته المحامي شبلي أبو محمود أكد أن قانون العقوبات السوري عالج وتصدّى لظاهرة التسول، وضمن بعض المواد فيه عقوبات لمرتكب هذا الفعل أو من يقوم بتشجيعه أو استغلال أناس لمصلحته، ولفت إلى المرسوم ٨ لعام ٢٠١٩ القاضي بتعديل 4 مواد من قانون العقوبات الصادر عام 1949، والمتعلقة بمعالجة ظاهرة التسول، وتضمن القانون تعديل المادة 596 من قانون العقوبات، بحيث تصبح عقوبة من يكون له موارد أو يستطيع الحصول على موارد بالعمل واستجدى لمنفعته الخاصة الإحسان العام في أي مكان كان صراحة أو ضمناً، الحبس مع التشغيل من شهرين إلى سنة وبالغرامة من 10 آلاف إلى 25 ألف ليرة سورية، ويمكن أيضاً وضعه في دار للتشغيل وفقاً للمادة 79 ويقضى بهذا التدبير وجوباً في حالة التكرار، وكذلك نصّ القانون في مادته الثالثة على تعديل المادة 599 من قانون العقوبات، والتي حدّدت عقوبة المتسول الذي يستجدي بالتهديد أو أعمال الشدة، أو بحمل أي وثيقة كاذبة، أو بالتظاهر بجراح أو عاهات، أو بالتنكر على أي شكل كان، أو باصطحاب ولد غير ولده أو أحد فروعه ممن هو دون العاشرة من العمر، بحيث يعاقب بالحبس من سنة إلى 3 سنوات مع التشغيل، وبالغرامة من 25– 50 ألف ليرة، فضلاً عن وضعه في دار للتشغيل إذا كان غير عاجز، وبالحبس البسيط المدة نفسها إذا كان عاجزاً.
وبيّن أبو محمود عقوبة أن كلّ من دفع قاصراً دون الـ18 من عمره أو عاجزاً إلى التسول بأي طريقة كانت جراً لمنفعة شخصية، ستكون عقوبته الحبس مع التشغيل من سنة إلى 3 سنوات، وبالغرامة من 50– 100 ألف ليرة.
وأوضح أنه في أواخر آذار 2019، أقرّ مجلس الشعب تشديد عقوبة ظاهرة التسول الواردة في قانون العقوبات، بحيث يتمّ رفع الغرامات المالية حتى 100 ألف ليرة مع سجن 3 سنوات لمن يشغّل القاصرين والعاجزين، فيما يُسجن المتسوّل من شهرين حتى سنة وغرامة تصل إلى 25 ألف ليرة.