المركز الوطني للسياسات الزراعية يكشف عن الهدر والفاقد في المنتجات الزراعية
دمشق – البعث
تفرض الفجوة في الاحتياجات الغذائية المتزايدة للسكان، إلى جانب التحديات المتزايدة في الإنتاج الزراعي، وخاصة مع نقص ومحدودية الموارد الطبيعية المتاحة، أهمية البحث عن حلول فعَالة وأقل تكلفة لإنتاج الغذاء الكافي الآمن والمغذي للجميع، وتحقيق التوازن من خلال تقليل الهدر والفاقد في المنتجات الزراعية كأحد أهم الأولويات والوسائل لزيادة كفاءة كامل السلسلة السلعية للغذاء، حيث تزايد مؤخراً الاهتمام بموضوع الفاقد والهدر في الأغذية على المستوى العالمي بشكل كبير، وأصبح الحدّ منه أمراً ضرورياً لتحسين الأمن الغذائي واستدامة نظم الأغذية.
المركز الوطني للسياسات الزراعية قدّم بحثاً حول هذا الموضوع، حيث بيّن مدير المركز المهندس رائد حمزة أن الهدف الأساسي للبحث هو التقليل أو الحدّ من الفاقد والهدر في الأغذية على طول السلسلة السلعية، مع التركيز على دور المنتجين في ذلك، وبالتالي زيادة العائد الاقتصادي أو الربحية بالنسبة لهم من جهة، وتحسين الأمن الغذائي ونظم الأغذية المستدامة من جهة أخرى، بالإضافة إلى إمكانية استخدام هذا الفاقد في مجالات أخرى (كالتصنيع، العلف، وإنتاج الغاز الحيوي وغيرها..).
وقال حمزة: يحصل الفاقد والهدر على مختلف مستويات سلسلة العرض ابتداءً من الحقل بسبب بعض ممارسات المزارعين الخاطئة، تباعاً إلى الحصاد، وما بعد الحصاد، وصولاً إلى المرحلة الأخيرة على مستوى المستهلك، وتمّ تقدير الفاقد من الأغذية على مستوى المجموعات والسلع الغذائية المختلفة في أجزاء محدّدة من سلسلة الإمداد (ما قبل الحصاد، الحصاد، ما بعد الحصاد)، وذلك من خلال إجراء دراسة مسح ميداني على سلاسل إنتاج الحبوب والبقول والخضار والفاكهة في سورية.
وبيّنت نتائج المسح الميداني أن الفاقد الأكبر من الغذاء يحصل خلال مرحلة ما قبل الحصاد (الإنتاج)، مقارنة بالمراحل الأخرى بالنسبة لكافة المجموعات الغذائية المدروسة، وبالدرجة الأولى مجموعة الحبوب (القمح والشعير)، يليها مجموعة البقول. وعلى مستوى السلع تبيّن أن النسبة الأكبر يتمّ فقدها في الشعير بالمقارنة مع القمح، ويعكس هذا الفاقد من الحبوب نتائج الأزمة بشكل واضح من حيث عدم توفر مستلزمات الإنتاج وارتفاع تكاليفها من جهة، وعدم قدرة المزارعين على تقديم الخدمات المناسبة لمحاصيلهم خلال مرحلة النمو من جهة أخرى، مما أدى إلى خسارة المحصول في كثير من الحالات أو تعرّضه للإصابة والتلف. وتبدو الفروقات واضحة أيضاً بين المحافظات فيما يتعلق بالفاقد من الحبوب، حيث سجلت محافظات ريف دمشق ودرعا والحسكة النسب الأكبر من الفقد خلال فترة ما قبل الحصاد.
وأضاف حمزة: بالنسبة للبقول شهدت محاصيل الحمص والعدس نسباً عالية من الفاقد في مرحلة الإنتاج، وقد كانت محافظة درعا الأعلى بين المحافظات من حيث الفاقد في الحمص، حيث تراوحت نسبته بين 60% لتصل إلى 100% في بعض الحالات بسبب خسارة المحصول بالكامل خلال فترة النمو والإنتاج.
أما فيما يخصّ الخضار، فقد شكل الفاقد في البطاطا النسبة الأكبر خلال مرحلة الإنتاج مقارنة ببقية المحاصيل الأخرى، حيث شهدت محافظة حمص نسباً عالية من هذا الفقد وصلت إلى 70% أحياناً. بالمقابل، فإن الفاقد خلال الحصاد شكل نسبة مهمة في البندورة والخيار مقارنة بالبطاطا، نتيجة حساسية هذه المنتجات الكبيرة وقابليتها للتلف بسرعة مما يجعل ممارسات الحصاد مهمة جداً خلال هذه المرحلة الحسّاسة.
أما بالنسبة للفواكة فقد كان الفاقد الأكبر في الكرز، حيث تراوحت نسبته بين 70% و100% في كثير من الحالات خلال مرحلة النمو والإنتاج نتيجة تركز زراعة الكرز في محافظتي ريف دمشق والقنيطرة وخسارة عدد كبير من الأشجار المثمرة، فضلاً عن عدم تقديم الخدمات الجيدة لها، إضافة إلى تعرضها لموجة صقيع لهذا الموسم. كذلك وصلت نسبة الفاقد في التفاح إلى 33% خلال مرحلة الإنتاج وشكلت محافظة ريف دمشق النسبة الأكبر من هذا الفاقد. أما بالنسبة للحمضيات فقد بلغ الفاقد منها 29% خلال فترة النمو والإنتاج نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج والخدمة. يتمّ فقد الحمضيات أيضاً بنسبة نحو 9% خلال فترة الحصاد وما بعده نتيجة عملية الفرز الأولي في الحقل واستبعاد الثمار غير الصالحة للتسويق، وأحياناً لا يتمّ الحصاد لأسباب اقتصادية، حيث إن انخفاض الأسعار في السوق وارتفاع تكاليف نقلها دفع بعض المزارعين إلى عدم جنيها وترك الثمار تتساقط على الأرض.
وأوضح حمزة أنه وحسب البحث ينتج الفاقد من الأغذية عن مجموعة واسعة من العوامل، وتختلف أهمية هذه العوامل إلى حدّ كبير وفقاً للمُنتَج، والمرحلة قيد النظر في السلسلة الغذائية. حيث إن تحديد أسباب الفاقد من الأغذية في كلّ مرحلة من السلسلة الغذائية يسهم في إيجاد الحلول الممكنة للحدّ منه وتحديد أولويات التدخل، وفي كل مرحلة من السلسلة الغذائية، يمكن لجهات فاعلة منفردة أن تطبق بعض الحلول لمعالجة أسباب محدّدة من الفاقد والمهدور.
وتوصلت الدراسة إلى عدد من الاستنتاجات والمقترحات بخصوص مشكلة الهدر والفاقد، أهمها أن الحدّ من فقد وهدر الغذاء هو الطريقة الأكثر كفاءة وجدوى من الناحيتين الاقتصادية والبيئية من أجل تعزيز توفر الغذاء والأمن الغذائي مقارنة بزيادة الإنتاج الغذائي، حيث إن الحدّ من الهدر والفاقد في الغذاء يعتبر هدفاً شاملاً، يتمّ من خلاله تحقيق عدد من الأهداف المتداخلة، بما فيها: زيادة كفاءة نظم تداول الأغذية، استخدام الموارد الطبيعية بشكل أفضل في نظم تداول الأغذية، زيادة إسهامات القطاع الزراعي في النمو الاقتصادي والاستقرار. ومن هذا المنطلق تبدو أهمية إدراج الحدّ من الهدر والفاقد الغذائي ضمن الاستراتيجيات الوطنية والبرامج الهادفة إلى تعزيز الأمن الغذائي على المدى الطويل، كما أن جمع البيانات المتعلقة بالسلع ومكان حدوث الفقد والهدر للغذاء على طول سلسلة العرض يجب أن يتمّ بشكل منهجي، وبشكل دوري، وإدراجها في قواعد البيانات الوطنية.