فساد رموز البريكست
ريا خوري
لم تكن استقالة دومينيك راب، نائب رئيس الوزراء البريطاني، أو على وجه الدقة طلب رئيسه ريشي سوناك منه الاستقالة على الفور، وبهدوء ودون أي ضجيج، سوى حلقة جديدة أخرى في مسلسل سقوط المجموعة المعادية للقارة الأوروبية في حزب المحافظين الحاكم، ما حدا بعدد كبير من المعلّقين والمتابعين في المملكة المتحدة، اعتبارها أيضاً ضربة قوية وقاصمة لرئيس الوزراء ريشي سوناك نفسه، وهو أيضاً من تلك المجموعة التي قادها بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني السابق، الذي اضطر للاستقالة عنوةً.
في حقيقة الأمر، لم يبقَ من قيادات تلك المجموعة في الصفوف الأولى للسياسة البريطانية الداخلية والخارجية سوى مايكل غوف، وزير الإسكان والمحليات في حكومة ريشي سوناك. حتى عضو البرلمان الخامس والخمسين للمملكة المتحدة جاكوب ريس- موغ، منظّر مجموعة الأبحاث الأوروبية في حزب المحافظين والأكثر تطرفاً في معاداة أوروبا وتوجهاتها، توارى في الصفوف الخلفية واختفى تماماً، بعدما كان رئيس المجموعة البرلمانية للحزب الحاكم وبالتالي عضواً فاعلاً في حكومة بوريس جونسون قبل مجيء ريشي سوناك للحكم العام الماضي.
لا يمكن إخفاء أنّ نحو نصف البريطانيين صوّتوا في استفتاء عام ٢٠١٦ لمصلحة خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي بريكست، وليس كلّ هؤلاء من مؤيدي حزب المحافظين الحاكم، بل إنّ السير كيير ستارمر زعيم حزب العمال المعارض حالياً كان مؤيداً لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ومنذ الوصول لاتفاق بريكست نهاية عام ٢٠٢٠، بدأت رموز تلك المجموعة في التساقط واحداً تلو الآخر، ووصل بعضها إلى انتهاك القانون البريطاني بشكلٍ فج وقاسٍ. لم يكن منهج وسلوك هؤلاء خافياً من قبل، لكن فورة البريكست وارتداداتها واستحقاقاتها غطّت على الكثير. على سبيل المثال، حليفة رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون، ووزيرة الداخلية السابقة بريتي باتيل طردتها رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي من حكومتها قبل أكثر من خمس سنوات على وجه التقريب، لأنّها قبلت رشوة من الإسرائيليين، وما خفي أعظم، مع ذلك أعادها بوريس جونسون للحكومة حين أطاح بـ تيريزا ماي في صراع حزبي داخلي كان ساخناً.
مع بدء تنفيذ انسحاب بريطانيا من البريكست بعد الاتفاق، اكتشف معظم البريطانيين كيف أنهم خسروا الكثير الكثير، ولم تتحقق أيّ من الوعود التي انتظروها من رخاء وفوائد وانتعاش اقتصادي. وظهر التدهور في مستوى المعيشة للمواطنين البريطانيين بشكلٍ جليّ وواضح، ليس فقط بسبب أزمة وباء كوفيد ١٩، وإنما نتيجة خروجهم من الاتحاد الأوروبي، وأصبح الاقتصاد البريطاني أسوأ الاقتصادات المتقدمة أداءً، وواجه المزارعون والصيادون وغيرهم من البريطانيين الذين صوّتوا لانفصال بريطانيا تدهور أعمالهم واستثماراتهم وهم خارج الاتحاد الأوروبي.
لم يمضِ وقت طويل على رئيس الوزراء بوريس جونسون، الذي تزعم فريق بريكست، في رئاسة الحكومة البريطانية حتى أقال دومينيك كمنجز كبير مستشاريه الذي كان له الفضل الأكبر في الترويج لحملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قبل الاستفتاء. وتوالت الفضائح والمشكلات المعقّدة حتى أصبح وجود بوريس جونسون في السلطة غير مقبول على الإطلاق، فاستقال من منصبه لتخلفه ليز تراس كرئيسة للحكومة، ولم تمضِ ستة أسابيع في الحكم حتى كاد الاقتصاد البريطاني ينهار تماماً نتيجة فشل السياسات الاقتصادية التي اتبعتها، فاضطرت للاستقالة، وخلفها ريشي سوناك، وهو من الفريق المؤيّد للانفصال أيضاً، ليواجه سقوط آخرين من وزرائه.
إن كلّ رموز البريكست في حزب المحافظين تتهاوى ويكتشف البريطانيون العاديون أن كل قياداتهم السياسية ليست فوق مستوى الشبهات، وأنهم منغمسون بالفساد والمؤامرات. وعلى الرغم من الصلف والعناد وعدم الاعتراف بأنهم خدعوا الناس وضللوهم ليصوتوا لبريكست، إلا أن الأوضاع المعيشية الصعبة للشعب البريطاني بشكل عام تضاعفت من وقع هذا السقوط المدوي لرموز بريكست.