الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

“تاج الملك” تنتصر للحياة

سلوى عباس

يواصل المخرج فايز صبوح مشروعه المسرحي عبر إخراجه لعرض جديد من إنتاج مديرية المسارح والموسيقا – فرقة المسرح القومي في اللاذقية، وحمل عنوان “تاج الملك” للكاتب شاكر شاكر، ويتحدث عن حكاية شعبية تقارب في مضمونها “حكايات ألف ليلة وليلة” الراسخة في وجداننا، حيث تهدف المسرحية إلى تعرية حالة الفساد لدى بطانة الملك ممثلة بالوزير وحاشيته وإظهار الفرق بينهم وبين من لا يرضون الرضوخ لهؤلاء الفاسدين وأعوانهم ويجابهونهم رغم المخاطر، وهؤلاء هم الأمل للفقراء والمضطهدين في تحريرهم من وضعهم السيء وتحسين وضعهم الحياتي. وبالتالي، أحداث المسرحية لا تقتصر على زمن محدد إذ في كل زمان يوجد من يعتمدون النفاق والتسلق مبدأً لهم؛ وبالمقابل هناك من يعتمدون الصدق والقيم والأخلاق مبدأً، كما رأينا بقرار الملك بعد ان وقف على حقيقة فساد وزيره وحاشيته، إذ قرر بيع تاجه وتوزيع ثمنه على الصيادين، منتصراً بقراره هذا للحياة التي يستحقها شعبه، ما يؤكد راهنية المسرح ومصداقية العاملين فيه لأنهم استطاعوا أن يدركوا لذة أن يقدموا على خشبة المسرح عملاً له لون وطعم ورائحة الحلم الذي يرغبون، وسيبارك لهم الجمهور الذي تغص به صالات العرض موهبتهم وجديّتهم في طرح مشكلات البشرية ومعاناتها، وتحوّل المسرح إلى طقس يشدّ الناس إلى فضاءاته الرحبة.

ثلثا الساعة من الفرجة المتعوية المدهشة عشناها مع “تاج الملك”، هذا العرض الجميل والناجح، عبر لعبة حملت إسقاطات راهنة على واقعنا الآن، وقد أكد المخرج فايز صبوح بحرفيته الإخراجية عبر مقولة العمل بأن “سمات العمل الناجح تكمن في الفكرة المهمة التي تمسّ الجمهور وتتحدّث عنه وعن آلامه وأوجاعه، وأن المسرح هو مرآة المجتمع ومرآة الروح لمن يعمل به”، إذ ينتهي العمل بعبارة “عاش الملك” وتأتي أغنية جوليا بطرس “يوماً ما” كرسالة مهمة قدمها العرض عبرت عنها كلمات الأغنية “بكرا بيخلص هالكابوس، بدل الشّمس بتضوي شموس، على أرض الوطن المحروس، رح نتلاقى يوماً ما”، لتبشر بحالة خلاص الناس من واقعهم المرير، وأن شمس الحرية ستشرق من جديد، مما يؤكد على دور المسرح في الإصرار على الحياة، عبر وظيفته الإنسانية والحضارية والثقافية، فالعمل المسرحي لا يقتصر على جمهور النخبة فقط، لأن المسرح الواقعي المقدَّم بإطار محلّي شعبي تبقى دلالاته راسخة في ذهن المتفرّج عموماً، إذ تجسّد حقائق معيّنة على خشبة المسرح الذي ينحّي جانباً كل شيء يفرّق بين البشر، ويدعم كل ما هو مشترك بينهم، ويكشف عن القلب الذي يتقاسمونه، مما يجعله أفضل وسيط للسلام.

“تاج الملك” عرض مسرحي صنعه فنانون من أرواحهم يتسلل الضوء ويلتف كخيط ينسجون به للحياة ثوب الأمل، وقد شكل فريق العرض ككل لوحة متناغمة بين الممثلين الذين ظهروا على الخشبة: فايز صبوح، نبيل مريش، ريم نبيعة، أشرف خضور، مصطفى جانودي حمزة صبوح، آية سليمان، محمد أبو طه، يوسف حيدر.

ولا تكتمل اللوحة وتزداد ألوانها بهاء إلا بلمسات مصمم الديكور الفنان المبدع نزار علي بدر، وتنفيذه من قبل مالك يوسف وجعفر حسين، وتصميم وتنفيذ الأزياء والإكسسوار الفنانة ابتسام خدام، تصميم وتنفيذ الإضاءة جميل شانا، وتصميم المكياج مهند نزيهة، تصميم وتنفيذ الملصق والإعلان أحمد جاموس، إدارة المنصة إشراق صقر، الصوت نوار حموي.