حيدر حيدر.. وداعاً!!
وائل علي
آثر الأديب والروائي الإشكالي المبدع الكبير الراحل حيدر حيدر الذي ذاع صيته منذ روايته “الفهد” حتى وصلت شهرته الآفاق وترجمت أعماله إلى العديد من اللغات العيش بعيداً عن الأضواء في عالمه الخاص في ضيعته حصين البحر بنت الجبل وجارة البحر التي أنجبت المسرحي الكبير الراحل سعد الله ونوس.
حيدر حيدر مبدع غزير الإنتاج تعاطى مع مختلف الأشكال الأدبية التي تنقلت بين المقالة والقصة والرواية، وكان رافداً للكثير من الصفحات الثقافية لكبريات الصحف المحلية والعربية على مر السنوات والعقود .
حيدر حيدر صاحب رواية “وليمة لأعشاب البحر” صار بسببها وليمة على مائدة التكفير بعد أكثر من عشرين عاماً على نشرها على يد أحد الغلاة المصريين، مطلع الألفية الثالثة، لأنه تناول خطوطاً وعناوين حمراء لم يعد من السهل الولوج والخوض بها في هذا الخضم المتلاطم العجيب الغريب من العبث!
ورواية “الفهد”، التي صدرت عام 1968، وأعيد طباعتها أربع مرات تحولت إلى فيلم سينمائي أنتجته المؤسسة العامة للسينما في سبعينيات القرن الماضي وحصد العديد من الجوائز السينمائية على المستوى المحلي والعربي والدولي، وصنف كأحد روائع السينما العربية والعالمية فكانت الرواية التي وضعته على أول طريق الشهرة الواسعة.
له العديد من الروايات والقصص المنشورة مثل “حكايا النورس المهاجر” (قصص) أخرجت كفيلم عام 1972، ونال عدّة جوائز منها جائزة مهرجان لوكارنو، ومهرجان كارلو فيفاري، ومهرجان دمشق للسينما الجديدة.
– “الومض” (قصص) و”الزمن الموحش” (رواية) و”حقل أرجوان” و”مراثي الأيام” و”هجرة السنونو” و”أوراق المنفى” و”الزمن الموحش” و”مرايا النار”، وغيرها.
في الواقع لا أدري ما الذي يجمع بين حيدر حيدر والروائي الأمريكي الشهير آرنست همنغواي الحائز على جائزة نوبل للآداب صاحب رواية الشيخ والبحر فثمة تقاطعات كبيرة تجمع بين الروائيين الراحلين…
ربما البحر وحياة البحر والعيش في جزيرة خالية من السكان وربما أشياء أخرى…
يقول حيدر حيدر في “شموس الغجر”: من الأسرة يبدأ الوطن.. بلا حرية داخلية طليقة للإنسان لا أمل سوى باستمرار العبودية وهيمنة الأقوى والمستبد..
في “وليمة لأعشاب البحر” يقول: إنها لمسألة غير تافهة أن تسأل في عالم اللا منطق وانعدام القانون.. في العالم المحكوم بالطغيان وسطوة الآلهة والقتل وميراث الأجداد المنقرضين.. عالم النزوة والمزاج والفردية كيف تفكر وتتحرك.. كيف تتقدم.. بل كيف تتشكل؟
وهل باستطاعة الحب أن يتجاوز الحالة، وهل تأسيس حالة حب على نحو صحي ضد عالم النفي اللاعقلاني ينقذ العالم والنفس؟
ليكن السؤال هكذا: الإنسان أولاًً أم المجتمع.. وهل بالإمكان بناء عالم جديد بإنسان قديم ؟
في “الزمن الموحش” يقول: “.. بالعنف.. انظر ماذا يحدث؟ جيل استلم التغيير يغازل رجال الدين والتجار والبرجوازية.. غارق في الانتهازية والسلطة والامتيازات والتقسيمات القبلية.. هؤلاء من أين خرجوا؟ أليسوا منا.. إنهم يتعثرون لأنهم جاؤوا قبل الوقت.. في دمائهم قرون النقص التاريخي والنفسي، ولهذا فهم عاجزون عن تنفيذ مهام الثورة.. أنا وأنت عاجزان أيضاً.. جيلنا جيل موسوم ومنحط.. هذا يقيني!!”.
تعرض حيدر لكثير من المضايقات والنكسات والانكسارات والإخفاقات والخسارات على المستويين الشخصي والاجتماعي والوطني كان أشدها إيلاماً ووقعاً خسارته لفلذة كبده، الدكتور وافد حيدر، وهو في ريعان الشباب، إثر حادث سير أليم صباح جمعة حزينة على أحد طرقات مدينة طرطوس برفقة صديقه وابن ضيعته الفنان التشكيلي علي هولا الذي قضى معه في ذات الحادث قبل عشرين عاما..
حيدر حيدر كان مقلا في الظهور الإعلامي ولم يكن يحب الأضواء، لكنه قامة أدبية وفكرية ووطنية شامخة لم تنزلق وكانت تستحق أن تكرم بما يليق قبل رحلة اللاعودة الأبدية صباح الجمعة 5/ 5/ 2023 ليوارى الثرى في مسقط رأسه حصين البحر بعد سبعة وثمانين عاما من الوقوف وعدم الإنحناء..
حيدر حيدر.. وداعاً!!