عيد الشهداء في السويداء.. قصة البطولة والوفاء
السويداء – رفعت الديك
تحرص أسر الشهداء بالسويداء على إحياء ذكرى عيد الشهداء من خلال وضع أكاليل الورود على أضرحة الشهداء و إطلاق الاهازيج والقصائد الشعبية التي تعبر عن قداسة الشهادة وحب الوطن، ففي كل قرية من قرى السويداء ترى مشهداً لشهيد وقصة بطولة يرويها الأهالي.
أم وجدي هي إحدى خنساوات الجبل استشهد اثنان من ابناءها في معارك الوطن ضد الارهاب، يظن من يزورها أنها سيدة منهارة متعبة أكلها الحزن واهلكتها غصة فقد فلذات كبدها.. ولكن ما إن تصافح يدها حتى تشعر أنك أمام قامة سنديان شامخة، كيف لا وهي خنساء الجبل صفاء جمول، أم الشهداء وليم ومجدي وأدهم جهجاه. تقول وقد قدمت أبناءها الثلاثة شهداء كرمى تراب الوطن وعزته: إن الشهادة مصدر فخر واعتزاز، فكيف وأنا عندي ثلاثة شهداء، صحيح الابن غال ويعادل الروح، لكن الوطن أغلى من الروح، فمن ليس لديه وطن ليس لديه عرض وشرف وبيت، مضيفة: بشهادتهم زففتهم عرساناً للوطن وترابه لكل العمر لا لساعة، كنت قد انتظرتهم ليأتوا وأفرح بهم، لكنهم أتوني شهداء ودمهم ممزوج بتراب الوطن الغالي، فاستقبلتهم بفرحة وغصة وألم كبير، وأقيمت لهم أعراس وطنية، وجل ما أتمناه وأدعو له ألا تذهب دماؤهم هدراً، وأن تنتصر سورية وتعود كما كانت.
هي واحدة من آلاف الأمهات التي قدمن أولادهن فداء الوطن فإذا كانت هي خنساء القرن الواحد والعشرين فقد سبقها على اللقب ندى عامر، أم الشهداء: فاروق وهشام وهاشم الداهوك وقبلهم خنساء القرن العشرين مدلله حمزة التي قدمت ابناءها الأربعة وزوجها شهداء ضد الاحتلال الفرنسي وفي كل مرة ترسم الخنساوات أجمل صور للوطنية وحب الأرض عند تشييع ابنادها الشهداء بشكل جعل الباحثة الفرنسية بريجيت عزام تصف عرس الشهيد في السويداء بقولها: إن من أعظم المشاهد التي لفتت انتباهي تشييع الشهداء في السويداء، حيث شاركت في أكثر من موقف، ولاحظت كيف تحوّل يوم العزاء إلى يوم عرس، فالرجال يغنّون ويهتفون هتافات وطنية، والنساء تزغرد، وقالت: إن أكثر صورة أثرت فيّ ولن أنساها أبداً دموع امرأة تزغرد فوق نعش ابنها.
ولاشك أن من يحتاج لأي جرعة تفاءل أو أمل او يعاني من نقص في الارتباط في الأرض فليزر أسر الشهداء هناك فقط تجد معاني الوطنية مغروسة ومرسومة في كل مكان ومع كل نبضة قلب ليحمل اللقاء معهم عناوين كثيرة في الوطنية والفداء والتضحية، فقد رسمت عوائل الشهداء أجمل صور التضحية والبطولة والشجاعة عندما وقفت الأم تزغرد فوق نعش ابنها الشهيد، وتزفه عريساً للوطن،
والدة الشهيد هيثم فاديا العبد الله أكدت أن الوطن غال، والحفاظ على كرامته وسيادته واستقراره يحتاج إلى تضحيات أبنائه، وهيثم ضحى بدمه وروحه من أجل هدف سام ونبيل، إنه الحفاظ على سورية ووحدتها، وأضافت: إن كل دمعة ذرفت من أمهات الشهداء هي وسام على جبين كل شهيد، ورصاصة على هؤلاء المجرمين المارقين العابثين بأمن واستقرار الوطن، أعداء الله والوطن والإنسانية.
وهاهو والد الشهيد وسام الديك الذي استشهد دفاعاً عن أمن الوطن واستقراره يقول: هنئوني بعرس البطل ولا تعزوني، هكذا أراد الشهيد وهكذا سنفعل، وقال: إن الشهيد قد اتصل بي قبل استشهاده بيومين وأبلغني أنه ذاهب ليقدم روحه ودمه في سبيل أمن واستقرار الوطن، مجسّداً معنى التضحية والفداء، وقيم الشهادة ومعانيها التي تربى عليها.
وقدمت السويداء العديد من قوافل الشهداء منذ أن وطئت أقدام المحتلين أرض الوطن، إذ بدأت قرابين الشهداء تتوالى وقوافل الشهداء تسير القافلة تلو الأخرى كواكب مضيئة لبوا دعوة الوطن عندما دعاهم اختصروا قيم الحياة بكلمة واحدة وفعل واحد وهو الشهادة، وقدموا أغلى ما يملكون ليبقى الوطن حراً كريماً.
اليوم يقوم الوطن بأكمله لينحني إجلالاً وأكراماً لأرواح أبطاله، وتغيب الشمس خجلاً من تلك الشموس التي رسمت حدود الوطن بدمائها فعندما يرتقي الشهيد ،تختلط الدموع بالزغاريد، تختصر كل القصص بمقولة وراء كل شهيد وطن.