إنسان برتبة فنان
سلوى عباس
ربما عبارة “إنسان برتبة فنان” أكثر ما تعبر عن الفنان اللبناني المبدع رفيق علي أحمد الذي حلّ ضيفاً على ملتقى الإبداع الذي يقيمه المعهد العالي للفنون المسرحية، ويستضيف فيه قامات إبداعية سورية وعربية، في خطوة مهمة لاطلاع الطلاب على تاريخ الفن المسرحي عبر تجارب هذه القامات الإبداعية، وقد أطل الفنان علي أحمد على طلاب المعهد وأساتذته مشرقاً بالحلم والمحبة والسلام، حاملاً في جعبته تاريخه الإبداعي بكل مراحله، إذ لا يخفى على كل متابع للحركة الفنية السورية أن الفنان رفيق علي أحمد مبدع من نوع خاص جداً قادر على الاستمرار في التألق والنجومية في كل الأوقات، فنان لم يستطع الزمن أن يهزمه ويسلب منه مقدرته الفائقة على التنوع في أداء رسالته الفنية في كل المجالات، معتمداً على مقومات شخصيته في كل مجال يخوض فيه، وانطلاقاً من أن الفنان صاحب رسالة ومشروع تنويري، وهو من صناع الثقافة، ومن قادة الرأي، وله تأثيره في المجتمع، فقد شكلت آراء الفنان رفيق علي أحمد في هذه الإطلالة رسالة فنية وإنسانية، عبّر من خلالها عن موقفه ورأيه كفنان ومواطن من حقه وواجبه الدفاع عن الفن والثقافة والكرامة الإنسانية على امتداد العالم، فهو فنان مؤمن بأهمية الفن ودوره في الحياة، خاصة الفن الجاد الذي يحمل رسالة، فحمل أفكاره وقناعاته وانتقل بها طائفاً جميع العواصم العربية والأجنبية، فهو يعشق المسرح بشغف. تميز الفنان اللبناني بأدواره المركبة والمعقدة التي أداها بحرفية عالية وصنف كأحد الشخصيات المائة المؤثرة في لبنان وقد اختير في العام الماضي لإلقاء كلمة المسرح العربي والتي جاءت تحت عنوان: “الحياة مسرح، المسرح حياة “، حيث قال: في زمن صراع الحضارات تغدو الحاجة إلى المسرح ملحة أكثر لأن عالمنا يتعرض لمحاولة تدمير ممنهجة من خلال فرض ثقافة واحدة تحت شعار عولمة متوحشة، وفي ظل هذا الواقع يقف المسرح في خط المواجهة الأمامي لأنه يمثل المختبر الأهم للتفاعل بين الأفراد والجماعات ويشكل مكان تعارف والتقاء لأجل سلام البشر، مضيفاً: ومع تعثر الحوار أو انعدامه بين الأنظمة السياسية والحكومات يبرز دور اللعبة المسرحية برمتها عبر حوار متعدد الأشكال والاتجاهات ودائماً في سبيل الإنسان وحقه في حياة أفضل”. كما تحدث رفيق في كلمته عن غربة بين المسرح والجمهور ومن أهم أسباب هذه الغربة هو التغريب الذي وقع فيه الكثيرون منا، ولحظت الكلمة رأياً في موضوع “هجرة بعض المسرحيين إلى التلفزيون كسباً للرزق والشهرة وغياب اهتمام وزارات الثقافة العربية عن دعم التربية الفنية والمسرحية في المناهج المدرسية”، ووصف الرقابة على الإبداع بأنها الموت نفسه، وبعدها انتقل إلى ضعف الميزانيات المادية الموظفة للمسرح. وخلص علي أحمد في كلمته باسم المسرحيين العرب إلى “أن السؤال الأكثر إلحاحا الذي يواجهنا كمسرحيين عرب هو كيف نعيد وصل ما انقطع مع أجيالنا الشابة التي تتطلع لمشاركتنا هذه المسؤولية، لكن لن يتسنى للمسرح تحقيق ما يصبو إليه إلاّ إذا كان حراً لا يعترف برقابة ولا تحده حدود لينتج ويقدم ما يعبر عن هويتنا الثقافية والإنسانية التي تشكل مكوّنا عضويا من هوية العالم برمته” يقوم مسرح رفيق علي أحمد على أسلوب المونودراما وعنه يقول: أسلوب المونودراما اختارني قبل أن أختاره وكنت منذ صغري أحب تسلية الناس، وكانت والدتي تنزعج من كثرة كلامي أحيانا، فتنهرني “أسكت يا حكواتي”، حيث أن جذور المونودراما في الشرق تعود إلى ظاهرة الحكواتي التي كانت موضوعاتها السير الشعبية كسيرة الظاهر بيبرس وبطولات الزير سالم وعنترة لقد استطاع الفنان رفيق علي أحمد أن يصل إلى الإنسان العادي ويخاطب الجمهور بلغته، وعن ذلك يقول: أنا أرى أن هناك حاجزاً لغوياً بين المثقف العربي والإنسان العربي العادي لأن هذا المثقف يجهد نفسه ويغوص في أعماق اللغة العربية من أجل صياغة كتاباته التي لا يدركها الجمهور الكادح، لذا أطالب كل المثقفين العرب بأن يتكلموا بلغة سواد المجتمع العربي، فعندما تلامس الواقع وتتحدث بلغة يفهمها الآخرون يكون هناك تجاوب وتبادل حوارات معهم حول القضايا المطروحة، إذ يصف المسرح بأنه ساحر يقول الكذب الصادق على عكس ما هو في الحياة التي تنطق بالصدق الكاذب، ومن هنا يجب على المسرح ان يزيل كل الأقنعة ويكشف الحقيقة ويعري النفس البشرية بأحاسيسها وانفعالاتها، وان يكون حوارات تحكي قصة لتكون هناك فرجة ومناقشات ونحن اليوم في أمس الحاجة إلى هذه الحوارات، لأن الحوار بحاجة إلى حرية والحرية نادرة وقليلة في مجتمعاتنا السياسية، فما يمر به المسرح من ضيق نفس هو بسبب الضغط السياسي المسلط على رئتيه.