الدوري الكروي الممتاز بين السالب والموجب.. المستوى العام ضعيف والنتائج وزعت الفرق على طابقين… وسوء الإدارة أثر على المسابقة
البعث الأسبوعية- ناصر النجار
جميع المتابعين للدوري الكروي الممتاز أبدوا عدم رضاهم عن المستوى الذي تقدمه الأندية في الدوري بعد مرور خمسة عشر أسبوعاً منه، وهذه الحصيلة وجدناها في مواقع التواصل الاجتماعي من خلال استقراء آراء مختلف الجماهير الرياضية، فباتت أغلب هذه الآراء تصب جام غضبها على إدارات الأندية التي فشلت في تحقيق مراد جمهورها.
وأكد هذه المقولة المراقبون والمخضرمون وسمعنا الكثير من التعليقات من خبراء اللعبة عن تدني مستوى الدوري لدرجة غير مقبولة، واللوم بات منصباً على الفرق الكبيرة التي تبحث عن النقطة قبل أن تبحث عن الأداء والمستوى.
ولم تعد قضايا المنافسة هي المهمة بالدرجة الأولى لأن المتابعين باتوا يبحثون عن الأداء والمستوى اللذين يوصلان إلى الفوز، فدون ذلك سيتحقق الفوز بكرة طائشة وحظ وتوفيق وهذا لا يمت إلى كرة القدم الحضارية التي بات أساسها العلم والخطط الكثيرة، وهنا كان مستغرباً التصريح الذي يدلي به البعض من مسؤولي الأندية أو المدربين أحياناً ليتجاوزوا مسألة المستوى والأداء بقولهم: الأهم نقاط المباراة وهذا قول حق أريد به باطل.
من المؤكد أن نقاط المباراة هي الأهم وهي الغاية التي تعمل عليها كل الفرق لكن ذلك لا يجب أن يكون على حساب الأداء، وقد يكون هذا الكلام فيه شيء من العذر لفرق مغمورة أو إنها تعاني من ضعف إمكانياتها، لكن غير مقبول من فرق صرفت المليارات ونجدها تبحث عن النقاط بعيداً عن المستوى وما فائدة جمع أفضل اللاعبين ونخبتهم إن لم يقدموا المستوى المطلوب؟
جمهور الفتوة على سبيل المثال مؤازر لفريقه في الصميم لكن ذلك يبقى على كف عفريت، فهذا الجمهور لم يعد يقبل إلا أن يكون فريقه في الصدارة ولا يقبل بأقل من بطولة الدوري، والسبب في ذلك أن النادي حشد بملياراته نجوم ومواهب الكرة السورية وبات منتخباً مصغراً، ومع ذلك فإن أنصار الأزوري يضعون قلوبهم على أيديهم خشية ضياع الدوري لأن فريقهم لم يمنحهم الثقة الكاملة بسبب الأداء المتذبذب مباراة بعد أخرى، والخشية حاضرة دائماً من المباراة التالية، لكن السؤال المهم: إذا كان فريق بمستوى الفتوة لا يمتعنا بأدائه ومستواه فمن الفرق القادر على تحقيق ذلك؟
الفتوة نموذج عن الأندية التي تحتل الطابق الأول من الدوري وعددها خمسة، وهذه الفرق ليست بمنأى عن غضب جماهيرها التي لم تعد تقبل بأقل من البطولة، وباتت جاهزة للنقد مع أول نكسة لأن الفوز قد يعمي الأبصار وغيره يفتح القلوب لترى ما لا تراه الأعين من سوء الأداء والمستوى.
فريق تشرين هذا الموسم لم يطل بلح اليمن ولا عنب الشام، ولم يستطع الدفاع عن لقبه الذي حازه لثلاثة مواسم متتالية، وجماهيره استبشرت خيراً بعد الفوز على المريخ السوداني في البطولة العربية بعودة فريقها إلى ركب المنافسين فغرق بالتعادل أربع مرات متتالية لم يسجل فيها إلا هدفاً وأضاع ثمان نقاط، فتبدد حلمه المشروع بدخول عالم المنافسة، وعلى ما يبدو أن شهر العسل بين الإدارة والمدرب أزف ، فبدأت الأصوات الغاضبة لأن الجمهور لا يصدق أن فريقه سادس الترتيب ولا يريد أن يصدق ذلك!
ومن فرق الطابق الثاني فإن مثالنا فريق الوحدة الذي أغضب جماهيره وباتوا منقسمين، منهم من يدافع عن الإدارة ومنهم من يهاجمها، والقضية لم تعد قضية فريق كرة القدم بل رياضة بأكملها وهذا حال بقية الفرق كحطين والطليعة فالمسؤولية اليوم محددة بالإدارة التي فشلت بإدارة الرياضة في هذا النادي أو ذاك.
ولم تعد جماهير هذه الأندية تطالب بالأداء والمستوى بل تريد بعض النتائج حتى لا يصبح فريقها المفضل في غياهب الظلمات، وأمام هذا الموقف فإن هذه الإدارات لم تعد تملك إلا أبر المخدر من خلال تبديل المدربين للفت النظر عن سوء إدارتها وتقصيرها.
وهو العامل المشترك الذي يجمع إدارات أندية الطابق الثاني وأغلبها يعاني من اضطراب إداري، لكن المستغرب دائماً التصريح غير المنطقي للقائمين على نادي الوحدة الذين يرمون بكل الأخطاء في حضن من سبقهم وعلى ما يبدو أنهم تناسوا أن وجودهم في النادي قارب العام كاملاً والفترة السابقة الطويلة كفيلة بتغييرات إيجابية على كرة القدم يشهدها محبو الفريق، لكن للأسف فإن الأمور ليست بخير والنادي يغرق ليس في كرة القدم فقط بل بكل الألعاب الرياضية الأخرى.
سوء الإدارة
في المجمل العام فإن العمل في إدارات الأندية ضعيف وركيك على كل المستويات، ولعل أهم ما نلاحظ هو سوء إدارة الموارد المالية، لذلك تجد أن أغلب إدارات أنديتنا عاجزة مالياً رغم أن تملك الاستثمارات الكبيرة والكثيرة مع العلم أن هناك الكثير من المشاريع الأخرى التي يمكن أن تضيف دعماً مالياً للأندية، لكن أغلب هذه الإدارات اختارت الطريق الأسهل عبر الاستجداء من محبي الأندية فباتت رهن محبيها وداعميها وبالتالي فإن هذه الأندية واقفة على بنيان هش من المتوقع أن يسقط في أي لحظة.
الحسابات المالية في الأندية وهمية لأنها لا تقم على أسس ثابتة ويمكننا القول أن أنديتنا على مدار الموسم تبرم عقوداً مع اللاعبين والكوادر بقيمة قد تصل إلى مليار ليرة وهي لا تملك ربع هذا المبلغ على أرض الواقع، لذلك في كل موسم نجد أن هذه الإدارات تعيش صراعاً ما بعده صراع من أجل تأمين العجز وإرضاء اللاعبين والكوادر، وكم من مرة سمعنا عن حرد اللاعبين أو غضبهم أو ربما لعبوا بلا نفس في المباريات بسبب تقصير إدارات الأندية بدفع ما يستحقه اللاعبون.
ولن نبحث هنا في المواقع الإنشائية أو الاستثمارية لأن هذا الموضوع معقد وفيه تداخل بالمسؤوليات وما زال مرتبطاً بالمصالح وبيروقراطية العمل إنما نتحدث عن البناء الرياضي الذي نجده متواضعاً جداً في كرة القدم وهي الهم الاهتمام وهي منجم الذهب لو عرفت أنديتنا كيف تديرها.
وعندما تجد فريق الفتوة ليس لديه إلا أربعة لاعبين من أبناء النادي من أصل خمسة وعشرين لاعباً موقعين على كشوفه تعلم علم اليقين أن النادي لا يملك اللاعبين الشباب المؤهلين ليكونوا في الفريق الأول وليدافعوا عن اسمه في السنوات المقبلة، وهذا يعني أن النادي في خطر وأن مستقبله الكروي غامض.
وعندما يعلن فريق الوحدة أنه سيعتمد على مجموعة من الشباب من أبناء النادي ثم يستقدم عواجيز كرة القدم في فترة الانتقالات الشتوية يشعرك أن الكرة بنادي الوحدة ليست بخير، لأن إدارة النادي لا تثق بما انتجت وصنّعت من لاعبين وهي تدفع اليوم ثمن إهمالها للقواعد ضريبة باهظة الثمن.
كوادر ضعيفة
من هذا الاتجاه نجد أن ضعف مستوى الدوري وتدني أداء فرقه تتحمله أنديتنا بالدرجة الأولى وذلك لعدم عنايتها ببناء كرة القدم وجهلها بأسلوب تطويرها، إضافة لعدم وجود أي استراتيجية واضحة المعالم، ولأن هذا الموضوع حقيقة نجد أن التغييرات والتبديلات التي تجري على مستوى إدارات الأندية كثيرة وهذا يولّد حالة من عدم الاستقرار الإداري الذي ينعكس سلباً على كل الرياضات وليس على كرة القدم وحدها، فالمرغوب بهم في هذه الأيام هم من الداعمين والمحبين والمتنفذين من أجل مساندة النادي مالياً، وللأسف فإن أغلب هؤلاء لا يمتون للرياضة بصلة وغير قادرين على إدارة دفة الرياضة بالأندية.
وهذا أحد أسباب ضعف الكوادر الرياضية وعدم تنمية قدراتها وصقل إمكانياتها، والكوادر الضعيفة لا نجدها في الأندية فقط بل في كل شيء متعلق بكرة القدم، وعلى سبيل المثال فإن التحكيم في المباريات يعتبر أسوأ من المباريات بحد ذاتها، وهذا له أسباب عديدة، لكن السبب الأهم عدم وجود برامج لتطوير الحكام وعدم إقامة معسكرات خارجية لهم وعدم إجراء اتفاقيات مع الدول العربية والصديقة لتبادل الحكام، فضلاً عن النواقص الكثيرة في التجهيزات والمستلزمات والأجور، وإضافة لذلك الحرب الشعواء التي يواجهها التحكيم من الأندية ومن جماهيرها.
والأكثر ضعفاً في عالم كرة القدم المحلية هم المراقبون الذين لا يعرفون مهامهم وكثير منهم يظن نفسه مع المتفرجين لكنه يقبض ثمن دخوله الملاعب بدل أن يدفع تذكرة الدخول.
وللأسف فإن أغلب المراقبين باتوا يجاملون الأندية بقصد أو غير قصد فانتشر الفساد في ملاعبنا بكل أركانها وخصوصاً عندما نجد المراقب في المباراة لا يرصد الأحداث ولا يتابع حالات الخلل ولا يشير إلى المخالفات التي تحدث وهذا أمر خطير جداً لأنه يحول المباريات إلى أشبه بقانون الغاب، فالضوابط يجب أن تكون موجودة وأن يرصد المراقب كل حالات الخلل لتكون المباريات نزيهة وعادلة وتجري ضمن ضوابط قانونية.
ومن هذه الأمثلة عدم ضبط الملاعب فالمباريات أقر اتحاد كرة القدم إقامتها بلا جمهور وسمح لخمس وعشرين شخصاً فقط من كل فريق بحضور المباريات لكن وحسب المتابعة والمشاهدة نجد الكثير من الخروقات لهذا القانون فنرى الكثير منهم قد اخترق النظام ودخل الملعب لدرجة أن بعض المباريات تجاوز الحضور فيها الألف والألفين على عينك يا تاجر دون أن يردع هذه المخالفة أحد، ولو أن المراقب طبق القانون لما سمح للحكم بالبدء بالمباراة قبل أن يخرج الجمهور من الملعب، هذه مخالفة صريحة تدل على ضعف كوادرنا بالتعامل معها.
وهنا يمكن الإشارة إلى حالات كثيرة من الشغب والشطط في الملاعب غابت لغياب عين الرقيب الذي لم يرصد هذه الحالات، فمرت الأسابيع الأولى من مرحلة الإياب هادئة دون أي مخالفات، لكن الأسبوع الرابع حدث فيه الكثير من المخالفات التي لم يأبه إليها المراقبون والحكام ولم يرصدوها في تقاريرهم دون معرفة أسباب ذلك، وفي ذلك ضرر سيصيب الدوري بمقتله لأن استمرار الشغب دون ضوابط لن يكون له النهاية المرضية ولا يصل به إلى شط الأمان.
بيد أن الحسنة الجيدة التي يمكن أن نذكرها من باب الإيجابيات أن البطاقات الحمراء غابت عن ملاعبنا باستثناء بطاقة حمراء واحدة تعرض لها مدرب فريق الجيش أيمن الحكيم وهذا يشير إلى وجود الوعي عند اللاعبين والكوادر وخصوصاً أن العقوبات لم تعد تكتفي بالتوقيف وباتت مقترنة بالغرامات المالية التي سيدفعها المعاقب من جيبه الخاص وبات النادي غير مسؤول عن تسديد هذه المخالفات عن مرتكبيها.