خطة أمريكية قذرة قبيل الانتخابات التركية
البعث الأسبوعية- علي اليوسف
التبدّلات السياسية التي تطرأ على المنطقة بوساطة روسية تشي بأن واشنطن تبذل جهوداً كبيرة لعرقلة هذه الوساطة. وما دامت، الولايات المتحدة، غير قادرة على التأثير في أطراف التفاوض (روسيا- سورية- ايران) فمن الطبيعي أن تذهب باتجاه تركيا التي تتجهّز للانتخابات الرئاسية. هذا السيناريو الأمريكي فضحته الصحافة التركية عبر مواقعها على شبكة الانترنت، حيث نشرت معلوماتٍ عمّا سمّتها “خطة قذرة” تنوي الولايات المتحدة تنفيذها في تركيا.
من الطبيعي أن تكون تركيا هي الهدف، لأن واشنطن ليس لديها فهم واضح لما يجب القيام به بعد فشلها في حرب أوكرانيا. لذلك، ترى الولايات المتحدة أنه من المهم لديها إشغال موسكو بالملف التركي الداخلي – الانتخابات- والخارجي المتمثل بعلاقات تركيا مع جوارها.
هذه الاستراتيجية أشار إليها رئيس قسم الشرق الأوسط وما بعد الاتحاد السوفييتي في معهد المعلومات العلمية في العلوم الاجتماعية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، فلاديمير أفاتكوف بالقول: “الانتخابات الرئاسية في تركيا التي ستجري في 14 أيار ليست مجرّد مواجهة بين الهياكل الحزبية أو التكتلات الاقتصادية، وإنما مواجهة بين عوالم مختلفة. فمن ناحية، هناك قوى تركّز على المصالح بقيادة رجب طيب أردوغان، ومن ناحية أخرى، هناك قوى تركّز على توجّه أكبر نحو الناتو والولايات المتحدة، والاندماج في الاتحاد الأوروبي”.
تأزّم العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا
تشهد العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة أزمة جديدة، حيث انتقد أردوغان السفير الأمريكي لدى تركيا جيفري فليك على زيارته مكتب منافسه الأول في الانتخابات، كمال كيليتشدار أوغلو، قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية، التي يتوقّف عليها مستقبل النظام السياسي في البلاد، ووعد أردوغان بـ”تلقين درس” للولايات المتحدة. وفي الصدد، قالت ألينا سبيتنيفا، الباحثة في قسم الشرق الأدنى وما بعد الاتحاد السوفييتي بمعهد المعلومات العلمية في العلوم الاجتماعية، التابع لأكاديمية العلوم الروسية: “يصعب القول إن رجب طيب أردوغان الشخصية الأكثر راحة لزملائه في الخارج. كان مريحاً عندما وصل إلى السلطة لأول مرة، وكان مستعداً للتصرّف بناءً على الأوامر، أي الامتثال لمطالب الغرب، وليس مجادلة الولايات المتحدة، بل الموافقة بتواضع على كل ما يقترحونه عليه. الآن، طموحاته كبيرة للغاية، والغرب ليس معتاداً على مراعاة مصالح الآخرين وحساب رأي الزملاء، وخاصة الدول على مستوى إقليمي مثل تركيا”.
لقد أظهر الوضع مع انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو بوضوح أن النخبة التركية الحالية الحاكمة غير ملائمة لواشنطن والغرب الجماعي. ولهذا السبب، تحاول الولايات المتحدة بكل طريقة ممكنة إثبات أن الدنيا لا تنتهي عند أردوغان، فلدى واشنطن حلفاء على الأراضي التركية. وترى سبيتنيفا إمكانية تفسير الاتصالات مع المعارضة كإشارة إلى السلطات التركية بأن واشنطن ستدعم حزب الشعب الجمهوري إذا لزم الأمر.
وبعيداً عن المشهد الداخلي، إلى أين تتجه العلاقات الأميركية التركية وسط كل هذه الخلافات بين البلدين، وهل ستتمكن واشنطن وأنقرة من حلّ خلافاتهما الكثيرة بشأن سورية وروسيا واليونان والناتو والحريات العامة وحقوق الإنسان في تركيا، وما فائدة بقاء تركيا في حلف الناتو إذا كان أردوغان أقرب إلى روسيا منه إلى الغرب؟.
يقول السفير الأميركي الأسبق في تركيا، جيمس جيفري، الذي يرأس حالياً قسم الشرق الأوسط في مركز “وودرو ويلسون” في واشنطن: “تركيا حليف لأميركا لأنها عضو في حلف الناتو. لكنها حليف مُعقد بعلاقات متوترة أحياناً، بما في ذلك الآن. والعلاقة بين البلدين علاقة معاملات”. أما الخبير في الشؤون التركية هنري باركي، كبير الباحثين في “مجلس العلاقات الخارجية”، والأستاذ في جامعة “ليهاي” في ولاية بنسلفانيا الأميركية، فهو يعتقد أن عضوية تركيا في حلف الناتو تجعلها حليفاً رسمياً لأميركا، ولكن تركيا لا تتصرّف كحليف. ولو استمعنا إلى خطاب أردوغان لاعتقدنا أن أميركا هي العدو الأساسي لتركيا.
جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأسبق، الذي طالب في مقال رأي حلف الناتو بطرد تركيا من عضويته أو تعليق عضويتها فيه، يعتبر أن تصرّفات أردوغان غير مسؤولة كحليف في الحلف الأطلسي، فهو لم يتراجع عن صفقة شراء الصواريخ الروسية، التي تهدّد القدرات الجوّية للناتو، ويسعى منذ الآن لتزوير الانتخابات المقبلة في تركيا، وكلها أمور تبعث على القلق بين الولايات المتحدة وتركيا، على حدّ زعمه.
ويوافق الكاتب الأميركي ستيفن كوك على مقولة أن تركيا لم تعُد شريكاً موثوقاً به للغرب، لأن تركيا قد تكون حليفاً في الناتو، لكنها ليست شريكاً. وربما تنأى تركيا بنفسها عن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. ويجادل الباحث الأميركي مايكل روبين بأن تركيا لم تعُد دولة حيوية كما كانت خلال الحرب الباردة، عندما كانت دولة على خط المواجهة مع الاتحاد السوفييتي، وكانت ذات توجّه غربي، فقد حان الوقت للانتهاء من خدعة تركيا.
في الواقع، لم تكن العلاقات بين تركيا وأمريكا على ما يرام، لأن الإدارات المتعاقبة في الولايات المتحدة كانت ترى في تركيا دولة وظيفية تؤدّي ما يُطلب منها حتى لو لم يكن ذلك مطابقاً لمصالحها، كما أن هناك ثمّة مشكلات ذات طابع استراتيجي شكّلت على الدوام -من وجهة نظر أنقرة- مصدر تهديد جدّياً للعلاقات بين البلدين، يُضاف إليها توترات أقل أهمية، لكنها ساهمت هي الأخرى في تعكير صفو العلاقات بينهما، أولها اختلاف التقديرات والتصورات لكل من تركيا والولايات المتحدة بخصوص ترتيبات الأمن في المنطقة، وعلى رأس هذه التباينات تقع مسألة دعم واشنطن للميليشيات الانفصالية بشتى فروعها ومختلف مسمّياتها، واتخاذها شريكاً استراتيجياً في المنطقة. ثانياً، التجاهل الأمريكي لمطالب تركيا بتأمين احتياجاتها الدفاعية الاستراتيجية، وكأنها تابع لا حليف استراتيجي.
ومن هذا المنطلق تحوّلت البوصلة التركية نحو روسيا، وهو ما أثار مخاوف حقيقية لدى واشنطن من انحراف تركيا باتجاه المحور الروسي المعادي لحلف الناتو، حيث لم يقتصر التعاون التركي الروسي على شراء منظومة “إس 400″، فقد تطوّرت العلاقة بين الطرفين إلى مشاريع استراتيجية عملاقة في مجالات الطاقة النووية، والتعاون في سورية، وارتفاع مستوى التبادل التجاري بينهما إلى أرقام قياسية، فضلاً عن أنها سلّمت تركيا ملفّ الحبوب بالكامل، وتعمل على ضمّها إلى منظمة شنغهاي للتعاون الدولي وغيرها من التكتلات الاقتصادية كمجموعة “بريكس” مثلاً.
ومن بين الملفات الخلافية ذات الطبيعة الإقليمية التي تعقّد الموقف الأمريكي من تركيا، ما تبديه أنقرة من تمسّك بعلاقاتها مع إيران، ضاربة عرض الحائط بالتحذيرات والعقوبات الأمريكية، وهو ما أدّى إلى عدد من حوادث الاحتكاك وتوتر العلاقات بين الطرفين.