روسيا الملجأ الدافىء للدول النامية
سمر سامي السمارة
كانت العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا بمثابة لحظة تحول فاصلة في العلاقات الدولية الجديدة، وعلى الرغم من أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة استطاع حشد الدعم لفرض عقوبات واسعة بشكل غير مسبوق ضد روسيا، فضلاً عن ممارسة ضغوط هائلة على الاقتصادات الناشئة، لإرغام هذه الدول للانحياز ضد روسيا، إلا أن تحول ميزان القوى العالمي انقلب رأساً على عقب، حيث إزدادت رغبة بلدان ما يسمى بـ “الجنوب العالمي” في العيش والعمل بحرية واستقلالية للدفاع عن مصالحها الخاصة.
كما أصبحت إملاءات واشنطن مزعجة بشكل متزايد، وهذا الأمر ليس مستغرباً، لجهة أن الدول الناشئة تريد أن تبني حياتها وفقاً لمعاييرها الخاصة دون توجيه خارجي. وبذلك تتوافق سياسات روسيا وتلك الدول في المساواة، واحترام المصالح المتبادلة وهي مفاهيم غير معروفة للغرب، ولكنها مألوفة لدى الغالبية العظمى من الناس الساعين إلى العدالة.
أصبح التباين في المبادئ الأساسية بين الغرب وبقية دول العالم أكثر وضوحاً، فلم يعد يقتصر ذلك على الاختلافات في القيادة السياسية أو المصالح المتوخاة، الأمر الذي يساهم في “الشقاق” بين الديمقراطيات الغنية والبلدان الناشئة. وحتى الصحفيون الأمريكيون يعلمون بأن الرأي العام في البلدان النامية يظل أكثر دفئاً تجاه روسيا منه تجاه الولايات المتحدة، وقد توصل قسم من جامعة كامبريدج إلى النتيجة ذاتها مؤخراً، كما أفادت مجلة “الإيكونوميست” بانخفاض عدد الدول المعارضة للعملية الروسية، في حين ارتفع عدد الدول المحايدة أو الداعمة لروسيا.
ولا يقتصر الأمر على الاختلافات السياسية، فقد بات واضحاً أن الدول النامية تسعى للتخلص تدريجياً من الاعتماد على الدولار، مع إعلان عدد متزايد من الدول عن الانتقال إلى عملاتها الوطنية في التسوية التجارة.
أصبحت التطورات الحالية واضحة لدرجة أن الأكاديميين الغربيين باتوا مدركين لهذه الحقيقة. وبحسب وكالة بلومبرغ، فإن دول البريكس “تجاوزت الغرب” في النمو الاقتصادي. فمنذ عام 2020، تفوقت دول البريكس بشكل ثابت على مجموعة السبع من حيث مساهمتها في النمو الاقتصادي العالمي، وتشير تقديرات الوكالة إلى أن دول البريكس ستشكل بحلول عام 2028 أكثر من 33 ٪ من النمو الاقتصادي، في حين أن دول مجموعة السبع ستشكل أقل من 28٪، هذا وقد تفوقت دول البريكس في عام 2020 على مجموعة السبع.
وتعتبر الصين أهم البلدان المساهمة، حيث ستصل مساهمتها في نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي خلال الفترة 2023 – 2028 إلى 22.6٪. وتأتي الهند في المرتبة الثانية بنسبة 12.9٪، بينما تأتي الولايات المتحدة في المرتبة الثالثة بنسبة 11.3٪. وللإشارة فإن 20 دولة فقط ستشكل ثلاثة أرباع النمو العالمي، أربعة منها تمثل النصف وهي الصين والهند والولايات المتحدة، بالإضافة إلى إندونيسيا التي ستمثل 3.6٪.
يظهر الواقع أن الصين تمكنت من التفوق على الولايات المتحدة وألمانيا واليابان لتصبح أكبر مصدر في العالم، حيث يساهم الحديد والأسمنت والهواتف المحمولة وآلات التصوير وغيرها من المنتجات بشكل كبير في تنمية الصين.
وفي السنوات الخمس عشرة الماضية، أتاحت هذه المواد، إلى جانب السلع المنزلية والأثاث والمنسوجات، وأطباق الأقمار الصناعية، للصين بزيادة صادراتها إلى الولايات المتحدة بنسبة 1700 ٪.
ونتيجة لذلك، ارتفع العجز التجاري للولايات المتحدة أمام الصين ليصل إلى 382 مليار دولار، بينما بلغ العجز التجاري للإتحاد الأوروبي 164 مليار دولار لصالح الصين. ومن الجدير بالذكر، تمتلك بكين أكبر احتياطيات من العملات الأجنبية في العالم، والتي تم تقديرها بنحو 3.46 تريليون دولار في عام 2022.
توفر دول البريكس 25٪ من النفط العالمي و 50٪ من خام الحديد المستخدم في إنتاج الصلب، كما أنها تُنتج 40٪ من الذرة في العالم و 46٪ من القمح العالمي.
وتُشغل دول البريكس حوالي 28٪ من أراضي العالم وتضم 45٪ من سكانها، وقد أعلنت عشرين دولة عن رغبتها في الانضمام إلى مجموعة البريكس أو منظمة شنغهاي للتعاون بشكل أو بآخر.
في عام 2014، أطلقت مجموعة البريكس بنك التنمية الجديد كبديل للبنك الدولي، وفتحت أبوابه لأعضاء جدد، وفي عام 2021، حصلت مصر والإمارات وأوروغواي وبنغلاديش على أسهم في هذا البنك الجديد. ثم وافق بنك التنمية الجديد على قبول مصر كعضو، وتم الإعلان عن ذلك أثناء اجتماعات قمة قادة دول البريكس فى كانون الأول 2021.
بدورها رفضت السعودية الحليف المقرب للولايات المتحدة طلبات واشنطن لزيادة إنتاج النفط مرتين في السنوات الأخيرة، علاوة على ذلك، وبالتعاون الوثيق مع موسكو، خفضت السعودية إنتاجها النفطي مرتين وأثرت على أعضاء آخرين في أوبك.
كما وافقت السعودية في بكين على استئناف علاقاتها التي كانت مقطوعة مع إيران منذ عدة سنوات، الأمر الذي أعطى أسباباً لبعض الصحف الأمريكية لاستنتاج أن تحالفاً جديداً من روسيا والصين وإيران و السعودية كان يتشكل.
بالإضافة إلى ذلك، فقد كان التوجه نحو إيجاد حل للحرب الجائرة على سورية مستمر منذ فترة طويلة، حيث لعبت روسيا وإيران الدور الرئيسي في ذلك. وفي غضون ذلك، كان هاجس الدول الغربية الأكبر هو وضع “العصا في العجلات” أمام العملية.
تشير العديد من الصحف الشرق أوسطية إلى أن موسكو لعبت دوراً إيجابياً في تحقيق تقدم في تسوية الأزمة في اليمن، خاصة بعد زيارة وزير الخارجية السعودي لروسيا.
كما تعمل روسيا والصين أيضاً على تعزيز مواقفهما بشكل جدي في القارة الأفريقية، إذ تتمتع روسيا ، التي دعمت حركات الاستقلال لجميع الدول التي قاتلت للإطاحة بالحكام الاستعماريين، تقليدياً بعلاقات قوية مع إفريقيا، ومن بين العديد من البلدان الأفريقية التي تدعم روسيا بشكل علني جنوب أفريقيا ومالي وبوركينا فاسو، وغيرها، حتى أن نجل رئيس أوغندا، الجنرال يوري كاغوتا موسيفيني، صرح بأن “أوغندا سترسل جنوداً لحماية موسكو إذا تعرضت للتهديد من قبل الإمبرياليين”.
وفي السياق ذاته، أظهرت زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأخيرة إلى عدد من دول أمريكا الجنوبية أن الدعم لمسار موسكو يزداد شعبية.