الغرب مستعد لإحراق تونس!
هيفاء علي
الحديث هنا عن المشهد التونسي، والتساؤل عن أسباب هذا الإصرار الغربي على التدخل في القضية التونسية، إن لم يكن بهدف الضغط، فالوضع شديد التعقيد، وينذر بتحول خطير، بسبب حقيقة الإصرار الأمريكي والبريطاني من أجل عودة “حزب النهضة” الإرهابي وزعيمه راشد الغنوشي إلى السلطة.
وتوحي آخر الأخبار الواردة من واشنطن، وأروقة البرلمان الأوروبي، بنوع من الإملاءات غير المجدية إذا لم يتوخَ التونسيون الحذر. رغم ذلك، يعتقد بعض المحللين التونسيين أن التدخلات التلفزيونية الملحة من قبل السيناتور الأمريكي كريس مورفي، أو حتى مداخلات وزير الخارجية بلينكين، ووزير الخارجية الألماني، أصبحت تأتي بنتائج عكسية، ليس فقط في نظر السلطات التونسية، وإنما أيضاً برأي الغالبية الساحقة من التونسيين الذين يعرفون حق المعرفة أن الغرب يدعم “الإخوان”. فقد دعا مورفي خلال حديثه في “معهد السلام” الأمريكي، أواخر الشهر الماضي، حلفاء بلاده إلى الوقوف بحزم مع “الديمقراطية” في تونس قبل الموافقة على منح قرض للبلاد من صندوق النقد الدولي.
ومع ذلك، فإن تورّط “حزب النهضة”، الذي كان في السلطة بين عامي 2011 و2021 في الإرهاب الدولي، بما في ذلك بشكل غير مباشر في الهجمات التي ضربت أوروبا، وفي سورية والعراق، لم يتمّ إدانته إلا بشكل ضعيف. وهذا الإصرار على “عودة الديمقراطية” في تونس، بحسب زعم الأمريكيين والأوروبيين، يرتبط مباشرة في قطاعات كبيرة من المثقفين التونسيين، بشيك على بياض يُمنح للإخوان المسلمين على الرغم من مسؤوليتهم في تدمير تونس الحديثة بعد الاستقلال. لهذا السبب لا يتعاطف الأمريكيون والأوروبيون مع السلطات الحالية في تونس، بل تتملكهم الرغبة في إعادة توطين أولئك الذين قادوا تونس قسراً إلى الإفلاس والدمار، الأمر الذي يثير قلق التونسيين ويحرك مخاوفهم، وهذا ما يفسّر تزايد استياء وسائل الإعلام التونسية، وحتى العربية، من الغرب، بنفس قدر استيائها من تدخله أيضاً في الشأن الأوكراني.
كانت المواقف الأمريكية والغربية بشأن هذه النقاط كارثية على صورتهم، حيث كانت “حركات الربيع”، التي هي من صنع أياديهم، مرادفة للموت والدمار والفقر والنفي والإرهاب، والأزمات في ليبيا وسورية واليمن والعراق شاهدة على ذلك. وعليه، فإن تصريحات السيناتور الديمقراطي كريس مورفي الخرقاء حول تونس هي أكثر كارثية وتدخل صارخ في شؤونها الداخلية، فالسيد مورفي لا يعرف شيئاً عن تونس، وهو لا يعيش بين التونسيين، ولا يعرف شيئاً عن تاريخ البلاد، وهو لم يسمع بتونس قبل 2021، ولا يعلم أن تونس بصدد الانضمام إلى مجموعة الدول التي تمّت محاولة تصدير المفاهيم، وتصدير السكان، و”الدمقرطة”، من الخارج إليها على أساس الوصفات المبتذلة لبناء الديمقراطية، إلى جانب شكل غير مسبوق من الحرب الاجتماعية الداخلية. والجميع يعرف نتيجة هذه الأشكال من الدمقرطة التي تديرها الإيرادات الخارجية والتدخل المدني والعسكري، ومن باب التذكير لا غير، فإن التدخلات الأمريكية الـ17 في البلدان النامية، بين عامي 1947 و2023، انتهت جميعها بكارثة، دون نسيان هايتي التي كانت بالتأكيد مكان أسوأ التجارب.
لذلك يتعيّن على مورفي هذا قراءة تاريخ الحروب الأمريكية جيداً، والتأكد من أن التفسيرات والتحويلات السيئة للنماذج تنتهي دائماً بالكوارث التي لا يدفع ثمنها أعضاء لجان مجلس الشيوخ الأمريكي، بل شعوب الدول التي يتدخلون فيها هي التي تدفع الثمن الباهظ، فمن لا يتذكر بول بريمر “حاكم العراق”، لا أحد في الغرب يتذكره، ولكن في العراق، هناك الملايين الذين يتذكرونه ويدفعون كلّ يوم ثمن أسوأ كارثة تدخلية حلّت بالبلد من دون سبب على الإطلاق، والتي كانت نتيجتها المباشرة ظهور تنظيم “داعش” الإرهابي.