انتصار الرؤية السورية
علي اليوسف
أقرّ وزراء الخارجية العرب بالإجماع عودة سورية إلى مقعدها في الجامعة العربية، حيث تشكّل هذه العودة انعطافة مهمّة في سياق عودة العلاقات العربية العربية ومعالجة الخلافات البينية، وفي الوقت ذاته تعدّ نجاحاً لمساعي التكامل العربي قبيل انعقاد القمة العربية بدورتها ٣٢ التي تستضيفها السعودية.
توقيت عودة سورية تزامن مع مساعٍ روسية وإيرانية لإحداث خرق في العلاقات السورية- التركية، وهو ما يعني أن مطالب العرب بعودة سورية إلى مقعدها كانت مدفوعةً بالرغبة في أن يكون لديهم دور في حلّ الأزمة السورية لأهداف سياسية واقتصادية، ومن أهمها عدم بقاء الدور العربي خارج دائرة المشاركة في دعم العملية السياسية في سورية، والبحث عن مكانة عربية في مشروع إعادة الإعمار في سورية.
وبعد أكثر من 11 عاماً من قرار التعليق الذي صدر حينها خارج الأصول الميثاقية، وخلال سنوات الحرب على سورية، لم تتوقف التصريحات والقرارات السورية الرسمية عن تأكيد العمق العربي لسورية في كلّ مناسبة، وأنه لا بديل عن تنسيق عربي تفرضه الوقائع، والحاجة العربية لموقف موحّد في عالم متغيّر ينحو باتجاه التكتلات السياسية والاقتصادية.
اليوم، انتهت القصة، وفشلت الأدوات، وبقيت سورية في مكانها بوزنها ودورها العربي والإقليمي بعد سلسلة من التحركات الدبلوماسية الهادئة، حيث كان الموقف السوري واضحاً وثابتاً، وهو أنه ليس المهمّ عودة سورية إلى مقعدها في الجامعة، وإنما المهمّ العمل العربي المشترك الذي يجب أن يرقى إلى مستوى التحديات التي تواجه جميع الدول العربية دون استثناء.
وعلى الدوام، أكدت سورية أنها لا تخضع لشروط أحد، فيدها ممدودة للتعاون مع محيطها العربي والإقليمي، ومنفتحة على جميع الجهود لحلّ الأزمة في سورية، طالما كانت تلك الجهود والمبادرات تتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة الذي يؤكد على السيادة والاستقلال، وعدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول، وأن سورية لا تساوم أبداً في حتمية إنهاء التواجد العسكري غير الشرعي فوق أراضيها وتحقيق وحدة أراضيها.
لقد باتت الأجواء الإيجابية تسري في المنطقة في أعقاب الاتفاق الإيراني السعودي، والنشاط الدبلوماسي الذي شهدته دمشق، وزيارة العديد من المسؤولين العرب والاجتماعات الرباعية التي استضافتها روسيا لنواب وزراء الخارجية، ولوزراء الدفاع لسورية وروسيا وإيران وتركيا، وتحضير موسكو لاجتماعات بمستوى أرفع، وكذلك زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يوم الأربعاء الماضي، والتي شكلت جميعها بكلّ تأكيد انعطافة إيجابية على الصعيد الإقليمي.
إن نسائم الانفراج تسود المشهد العربي والإقليمي، والأمر الملفت هو تحقيق نوع من الانفتاح أو إعادة الثقة والاعتبار إلى الدبلوماسية العربية في مواجهة التدخلات والمشاريع وأجندات الدول الاستعمارية والإقليمية التي تتحكّم وتصادر القرار السيادي للكثير من تلك الدول. من هنا فإن جوهر ما تمّ طرحه هو تحقيق الكثير من الأهداف، ومن أهمها تخفيف آثار وارتدادات الأزمة السورية على الكثير من الدول العربية المجاورة لسورية، ولاسيما قضية اللاجئين، وتبعات هذا الموضوع فيما يخصّ المسائل الاقتصادية وأعباءها المالية على استقرار تلك الدول، بالإضافة إلى تحقيق نوع من التفاهمات الأمنية المشتركة. لكن الأهم من كلّ ذلك أن عودة دمشق إلى الجامعة العربية، وهذا الاندفاع والانفتاح، سيكون بمثابة الاختبار الحقيقي للجامعة العربية، وللدبلوماسية العربية، بل بمثابة انتصار حقيقي للرؤية السورية الصائبة.