تتويج تشارلز.. غموضٌ بانتظار مملكة الضباب
تقرير إخباري
يشهد الشارع البريطاني منذ سنوات أزماتٍ تشبه كرة الثلج المتدحرجة التي تعصف بالبريطانيين ومعيشتهم اليومية، وخاصةً للفئات العاملة التي تزداد فقراً على حساب نموّ الأوليغارشية الطفيلية المستأثرة بدعم قانوني غير معهود أو مسبوق في خضمّ ما تعانيه المملكة، واليوم وبعد انتهاء المراسم والطقوس التي تشبه حكايات وقصص الأطفال، أو تحاكي واقع القرون الوسطى من ناحية وجود شخص أو أشخاص يتم وضع الذهب والتيجان على رؤوسهم بمباركة دينية في إشارة إلى التعالي عن الطبيعة البشرية، ناهيك عن تكاليف الحفل الباهظة وتبذير وتبديد مال دافعي الضرائب البريطانيين في وقت يلجأ فيه الملايين منهم إلى بنوك الطعام للحصول على قوت يومهم في خضمّ الغلاء المستمر للمواد الأساسية، بينما تراكم العائلة الحاكمة ثروة تقدّر بـ 1,8 مليار دولار رغم كل ما يقاسيه الشارع البريطاني من أزمات.
واقع المشهد يقول: إن المملكة لم تعُد كما كانت على مدار أكثر من ألف عام من الملكية، ولم تنجح هذه الملكية التي تدّعي أن لا قرار لها، في الحفاظ على الاستقرار للبلاد على جميع الصعد، بدليل سقوط عدة حكومات في وقتٍ قصير نسبياً، كما أن الشعب البريطاني لم يعُد يرغب في استمرار الملكية في الحكم وخاصةً فئة الشباب، إذ نجحت حتى الآن بجمع 40% من الشارع المؤيّد للجمهورية في حصيلة ليست نهائية ومرشحة للزيادة بشكل طردي مع تزايد تراجع المشهد الداخلي والمالي والاقتصادي في البلاد.
إضافةً إلى هذا الانقسام، علينا ألا ننسى واقع الانقسامات البريطانية الأخرى، حول العديد من القضايا الجوهرية، كمسألة الهوية والانتماء إن كان فعلاً لأوروبا، ومسألة نفض الغبار عن الماضي الاستعماري للمملكة وامتداداته في الحاضر واستغلال الشعوب الأخرى الذي يرفضه الكثيرون من أبناء المملكة، كما يُضاف إلى المشهد العمل الجاد من اسكتلندا وإيرلندا الشمالية على الخروج من المملكة، ناهيك عن دعوات قديمة من ليفربول والشمال البريطاني عموماً، تأخذ أشكالاً جديدة، حيث يشعرون بعدم الانتماء منذ عقود، نتيجة كرههم للممارسات التي جعلتهم أكثر فقراً وتهميشاً، إذ ساهمت الإجراءات الملكية بتراجع منشآتهم الصناعية التي تعدّ عصب معيشتهم الأساسي، ما أدّى إلى تخلّف مناطقهم بشكل ممنهج وإقصائهم عن المشهد الاقتصادي، وتركّز الثروات والغنى الفاحش في العاصمة والجنوب، على حساب تزايد الفقر في مناطقهم المكوّنة في أغلبيتها من العمال، وذلك لمجرد رغبتهم في وصول العمال إلى السلطة، وعدم دعمهم للملكية كما فعل نظراؤهم المحافظون الذين ينعمون بكل المحاباة.
رغم تشريح المشهد، يبقى التساؤل الأساسي هل المشكلة في شخص الملك تشارلز الثالث أم في عائلته أم في بقاء النظام الملكي؟.
الجواب بالتأكيد مغاير لما ذُكر، فالجمهورية على المقلب الأوروبي المجاور والمشابه لم تنجح في انتشال الغرب من أزماته المتراكمة حتى اللحظة، لأنها ناجمة عن تبعية السياسة الخارجية لهذه البلدان للمشروع الأطلسي الرأسمالي، الذي بدا واضحاً خلال فصول الحرب الدائرة حالياً في أوكرانيا، باستعمار شعوبه مع بقية الشعوب.
بشار محي الدين المحمد