دراساتصحيفة البعث

ثلث الاقتصاد العالمي يخضع للعقوبات

ترجمة: هيفاء علي

“العواقب البشرية للعقوبات الاقتصادية”، تحت هذا العنوان تداولت العديد من مراكز البحوث الاقتصادية والسياسية النتائج التي يتوقعها أي مراقب لمثل هذه العقوبات. وبحسب الدراسات البحثية، فإن العقوبات هي وسيلة للضغط تمارسها دولة ما أو مجموعة من الدول على دولة أخرى، وقد تعني منع الشركات الأمريكية في بعض الصناعات من تصدير سلعها إلى الدول المستهدفة، أو منع الكيانات في الدول المستهدفة من تسوية معاملاتها في البنوك الأمريكية، وقد تشمل أفراداً بأعينهم. وقد استخدمت الولايات المتحدة وأتباعها الأوربيون سياسة العقوبات ضد عشرات البلدان في العالم، والتاريخ حافل بالشهادات على ذلك، ولكن بالتأكيد أحدث الحالات هي العقوبات المفروضة على إيران وسورية، وفنزويلا، والعراق، ودول أخرى، حيث عانى الشعب السوري، ولا زال يعاني من تداعيات هذه العقوبات الكارثية، والتي تحرمه من أبسط مقومات الحياة اليومية، الغذاء والدواء والمحروقات.

وهكذا يتمّ استخدام سياسة العقوبات من قبل الغرب كسلاح فتاك على نطاق واسع للغاية ضد كلّ من يرفض الإذعان لإملاءاته، مع العلم أن هذه العقوبات لا تخدم غرضه الأصلي المفترض، ولا تحقق أهدافه، بل إنها تلحق الضرر بالفقراء أكثر مما تلحق الضرر بقادة أي بلد يُزعم أنه مستهدف، والأرقام مرعبة، فعلى مدى العقود الستة الماضية، ازداد استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية من قبل القوى الغربية والمنظمات الدولية بشكل كبير.

في بداية الستينيات، كان هناك أقل من 4٪ من البلدان خاضعة للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة، أو الاتحاد الأوروبي، أو الأمم المتحدة، وارتفعت هذه النسبة في الوقت الراهن إلى 27٪. والحجم مماثل عند النظر في تأثيرها على الاقتصاد العالمي، حيث ارتفعت حصة الناتج المحلي الإجمالي العالمي المنتج في البلدان الخاضعة للعقوبات من أقل من 4٪ إلى 29٪ خلال الفترة نفسها.

بمعنى أدقّ، أكثر من ربع الدول، ونحو ثلث الاقتصاد العالمي، يخضع الآن لعقوبات الأمم المتحدة أو الدول الغربية. وبموجب القانون الدولي، فإن العقوبات التي يفرضها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هي وحدها التي تتمتّع بقوة قانونية، بينما تشكل العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة، أو الاتحاد الأوروبي انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، حيث تستخدم الولايات المتحدة العقوبات باستمرار لدفع الدول التابعة لها إلى فعل ما تشاء. وقد لجأ الاتحاد الأوروبي إلى العقوبات بشكل أساسي “لإنجاز شيء ما” لأنه كان خارج نطاق الأفكار أو القدرات الدبلوماسية، على خلفية العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا. ولكن أثبتت العقوبات الأخيرة ضد روسيا أنها أقلّ ضرراً للروس، وأكثر ضرراً على مواطني الاتحاد الأوروبي. لذلك، يعتبر المحللون الغربيون أن القادة الأوروبيين ارتكبوا خطأً فادحاً من خلال الموافقة بشكل استباقي على العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة حتى قبل بدء العملية الروسية في أوكرانيا.

من الواضح أن النتائج لم يتمّ تقييمها والنظر فيها، فعندما يخضع ما يقرب من ثلث الاقتصاد العالمي للعقوبات، فإن الثلثين الآخرين يخسرون أيضاً، لذلك يرى المحللون أنه سيكون من المنطقي للجميع، ومن مصلحة الجميع إلغاء جميع العقوبات القسرية والكيدية التي لم يصدرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وحتى عقوبات مجلس الأمن الدولي يجب ألا تستخدم إلا بشكل مقتصد وبطريقة هادفة للغاية، فالعقوبات التي تصيب اقتصاد بلد ما هي عقوبات غير إنسانية ويجب حظرها.

يمكن أن تكون العقوبات أداة عنيفة إذا كانت تمثّل حظراً شاملاً لشيء ما، ويمكن أن يكون لها عواقب غير مقصودة، وقد تقع هذه العواقب بشكل رئيسي على المواطنين والحالات الإنسانية. في سورية وإيران، حذّرت مؤسسات ومراقبون دوليون من تأثير العقوبات الأمريكية على المواطنين في ظلّ تدهور اقتصادي، إذ يمكن أن تحرمهم من الوصول إلى الأغراض الأساسية من الدواء والغذاء.