الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

مئويات

سلوى عباس 

تتزامن في هذا العام، 2023، ذكرى مرور مئويات ولادة ووفاة العديد من الأدباء والفنانين، حيث مرت في ٢١ آذار ذكرى مئوية ولادة الشاعر نزار قباني، ومئوية ولادة الشاعرة نازك الملائكة التي تفردت في التنظير للشعر الحر، ودراستها عن سايكولوجية الشعر، وضعها في مصاف النقاد المؤسسين في النقدية العراقية، لاسيما بعد عملها كأستاذة للنقد الحديث في جامعتي بغداد والبصرة.

وعلى الرغم من حديث النقاد عن الملائكة كشاعرة، غير أن أغلبهم أعرب عن تلمذته على يدها كناقدة. وتزامناً مع مئوية ولادتها اختيرت من قبل منظمة اليونسكو رمزاً للثقافة العربية لعام 2023 وقد حققت انتقالاً كبيراً في شكل القصائد الشعرية وتركيبتها من الشكل والنمط الكلاسيكي الذي ساد في الأدب العربي لقرون عدة إلى الشكل المعروف بالشعر الحر.

كما تصادف هذا العام أيضاً مئوية ولادة الأديبة المصرية لطيفة الزيات، المولودة في آب 1923، وهي من أوائل الروائيات اللاتي كتبن بصوت المرأة للتعبير عن أوضاعها السياسية والاجتماعية، كما اهتمت اهتماماً خاصاً بشؤون المرأة وقضاياها، ولها العديد من الكتب الأدبية الناقدة والروايات، أشهرها رواية الباب المفتوح التي فازت بأول دورة عن جائزة نجيب محفوظ للأدب عام 1996، وتعتبر إحدى رائدات العمل النسائي في مصر.

أيضاً مرت ذكرى مئوية المبدع عاصي الرحباني الذي حمل حلمه على كفه لا يلوي إلا على فن، إذ يقول: “الفن واسع جداً والوقت محدود.. الفن كبير والوقت صغير، والفنان الحقيقي هو المخلص والإنسان الذي يحاول أن يعبّر عن حاله بأمانة وبإخلاص”، ففتش هو وشقيقه منصور عبر رحلتهما الطويلة عن المعاني التي تتضمنها ثلاثية الحياة الأرض والحب والمصير الإنساني في أصداف البحار ورمال الشواطئ، وهبطا على سطح القمر ومجرات السماء البعيدة إلى أن رسيا بقاربهما في مرفأ صوت فيروز التي تدفقت حنجرتها بجداول وأنهار من الدرر التي نقشت في وجدان المواطن العربي، والتي وصفها عاصي بأنها: “الصوت الإنساني الذي يستطيع أن يحمل كافة الأفكار التي كانا يحبان أن يحمّلاها لفنهما”.

ومن المئويات التي حفل بها هذا العام مرور مئة عام على ولادة الإعلامي والكاتب المصري محمد حسنين هيكل، المولود في 23 أيلول عام 1923. وعرف هيكل كذاكرة حقيقية للوطن، وترك رصيداً هائلاً من المؤلفات الرصينة والقيمة التي أصبحت ذخيرة صحفية وثقافية للأجيال المقبلة، مؤلفات وثق من خلالها بتفرد كامل، تاريخ مصر والمنطقة.

كذلك يحتفل العالم هذا العام بمرور 100 عام على وفاة الموسيقار سيد درويش، الفنان الذي لم يمر مرور الكرام على تاريخ الفن العربي بل كان شغفه بالموسيقى وغزارة إنتاجه سبباً في استمراره كـملهم وعنصر مهم من عناصر التجديد، كما أنه ارتبط بالشعب وقضايا الوطن والمجتمع، وتعتبر إسهاماته بمثابة علامات فارقة في مسار فنون الأغنية والأوبريت والنشيد والموشح والمسرح الغنائي،   وهذا أقل ما يليق به، وبالناس الذين أحبوه، وبكل  المبدعين.

كما يمر هذا العام مرور مئة سنة على صدور كتاب “النبي” أشهر كتب الأديب اللبناني الشهير جبران خليل جبران، كتبه باللغة الإنكليزية وتُرجم إلى أكثر من خمسين لغة، ويعتبر رائعة جبران العالمية، بمضمونه الاجتماعي، المثالي التأملي الفلسفي، ويحتوي خلاصة الآراء والأفكار الجبرانية في الحب والزواج والأولاد والحرية والقانون والرحمة والعقاب والدين والأخلاق والحياة والموت والجمال والكرم والشرائع وغيرها من الرؤى والأفكار التي تخاطب عميق النفس والإنسانية، وقد وردت هذه الأفكار على لسان نبي أسماه “المصطفى”، ويتعمق الكتاب في ثنايا المعرفة الروحانية، حيث يعبر جبران عن آرائه في الحياة عن طريق معالجته للعلاقات الإنسانية.

هناك أيضاً الكثير من مبدعينا الذين تمر في هذا العام ذكرى مئوية ولادتهم أو رحيلهم، تضيق المساحة هنا عن ذكرهم جميعاً، لكنهم باقون في وجدان التاريخ أعلام من إبداع متميز.