“مونة” الفول والبازلاء خارج حسابات المواطنين.. وتدخل “السورية للتجارة” في حدوده الدنيا!
مرة أخرى لم يحالف الحظ الفلاحين ممن اعتادوا على كتم غيظهم مع كل موسم زراعي تكبدوا العناء على مدار العام لجنيه وحصاد ربح يوازي أو يفوق تكاليف إنتاجهم، ليصطدموا بواقع تسويقي يودي بمحصولهم في المحال التجارية بأرقام لا تمت لما دفعه لهم التجار بصلة، ففي الوقت الذي لم يتجاوز سعر كيلو الفول أو البازلاء من أرض الفلاح الـ 400 ليرة في منطقة الغاب كان تجار أسواق الهال في المحافظات يتفننون بإضافة أصفارهم على هذا الرقم ليتجاوز سعر كيلو الفول في بعض المناطق الـ 5000 ليرة في حين وصل سعر البازلاء إلى 8000 ليرة، في حين كانت الأرقام مضاعفة للأكياس المفرطة والجاهزة، الأمر الذي أبعد فكرة إعداده “للمونة” من قبل ربات المنزل، لاسيّما وأن كلفة مونة إحدى هاتين المادتين تفوق الأجر الشهري للموظف الحكومي، ناهيك عن أن صور “المونة” المرمية في حاويات القمامة على مدى الأعوام الماضية لا زالت حاضرة في ذهن المواطن الذي تكبّد خسائر مادية لحفظها لفصل الشتاء، وذلك بسبب غياب الكهرباء!
تدخل إيجابي
ومع حذف بند “المونة” من قائمة أولويات الغالبية العظمى من المواطنين كانت حلول السورية للتجارة حاضرة هذا العام لاستجرار كميات كبيرة –حسب تصريحاتها- من محصول الفلاحين وتفريزها ومن ثم طرحها لاحقاً بأسعار مدروسة للمستهلكين، ليؤكد لنا مصدر في وزارة الزراعة انخفاض الإنتاج لموسمي الفول والبازلاء هذا العام نتيجة الظروف المناخية، لافتاً إلى أن انخفاض الإنتاج رافقه انخفاض كبير في إقبال المستهلكين على شراء المادتين وإحجام شبه كلي عن تخزينهم لفصل الشتاء كما جرت العادة، خاصّة مع ارتفاع سعر المادة وزيادة ساعات التقنين، وأشار إلى التعاون بين الوزارة والسورية للتجارة هذا العام لتجنب وقوع الفلاحين في فخ الخسائر المتكررة من خلال تدخل السورية للتجارة بشكل إيجابي كما جرت العادة في باقي المحاصيل واستجرار كميات من المحصولين وتوفير أعباء التسويق وأجور النقل على الفلاح من جهة وطرح المادة وتأمين وجودها بسعر مريح على مدار العام للمستهلكين من جهة أخرى، وحول الكميات التي من المقرر استجرارها لفت المصدر إلى أن عدم وجود إحصائية دقيقة حتى الآن عن الكميات المُخطط لاستجرارها، خاصّة وأن الكميات والسعر يختلف من منطقة لأخرى بحسب نوعية المحصول، منوّهاً إلى تكرار الخطوة في الأعوام القادمة في حال لاقت إقبالاً هذا العام.
دون المطلوب
ولم يُخف الخبير التنموي أكرم عفيف أن إنتاج المحصولين لهذا العام ضمن الحد الأدنى خاصة في منطقة الغاب نتيجة تعرضه لثلاث أنواع من شدة المناخ تتلخص بشدة انحباس الأمطار لأكثر من شهر ومن ثم تعرضه لأمطار غزيرة تلاه موجات من الهواء أطاحت بالزهر، وعلى الرغم من انخفاض الإنتاج إلّا أن خلخلة تسويق المحصولين كانت واضحة جداً لاسيّما مع انخفاض الاستهلاك خلال العامين الأخيرين بعد إلغاء سياسة التفريز من قبل المواطنين بسبب التقنين الكهربائي المجحف، ورفع سعر المادة من قبل التجار لا الفلاحين مقارنة بالدخل الشهري، ويجد عفيف أن الحل يأتي بالتجفيف للمحصولين إلا أن ثقافة شراء الفول والبازلاء المجففين لا زالت في حدودها الدنيا، لافتاً إلى أن تدخل السورية للتجارة أيضاً لا زال حتى الآن في حدوده الدنيا، فالغبن الذي يتعرض له الفلاح في جميع محاصيله كبير لاسيما مع التكاليف الباهظة التي يتكبدها من تكاليف المبيدات والفلاحة والبذار والسقي الذي يكلف مبالغ هائلة للتر المازوت، وأشار الخبير التنموي إلى أن الأرقام التي أعلنت عنها السورية للتجارة حتى الآن باستجرار5 طن من البازلاء هي فقط إنتاج فلاح واحد، فحتى لو بلغت الكميات المستجرة 50 طناَ لن تحقق فائدة مرجوّة للفلاح ولن تؤثر إيجاباً على المستهلك أيضاً، الأمر الذي يحتّم زيادة الكميات أضعاف مضاعفة خاصّة وأنها الوحيدة التي تمتلك برادات صعق وتبريد وقادرة على تركيب طاقة شمسية لبرادات التفريز والتخزين.
حلقة مفقودة
سيناريو متكرر لقرارات غير مُصيبة للهدف مع غياب حقيقي لصناعة القرار السليم وافتقار لمعلومات دقيقة، إذ وجد إسماعيل مهنا”خبير إقتصادي” أن هناك حلقة مفقودة في إدارة الشأن الاقتصادي تتمحور في غياب التنسيق بين جميع الجهات لنصل إلى تصريحات يشوبها الكثير من اللغو، وتحدث مهنا عن وقوع الفلاح والسورية للتجارة في ذات المطب مع كل موسم زراعي نتيجة افتقار وزارة الزراعة ومؤسسة التدخل الإيجابي للتنظيم وترتيب الأولويات وهما الركيزتين الأساسيتين لنجاح تسويق أي محصول زراعي، لافتًا إلى أهمية اللجوء إلى التخطيط وفق”المسار الحرج” والاعتماد على الأفكار الخلاقة المبدعة، وأرجع الخبير الاقتصادي سبب التعتيم في تصاريح الجهات المعنية وغياب لغة الأرقام الدقيقة والمطمّئنة للفلاح والمستهلك إلى عدم المقدرة الإدارية والفكرية للتخطيط للمستقبل بشكل صحيح، واستنكر مهنا اعتماد السورية للتجارة على فكرة وجود برادات تخزين وألواح طاقة بديلة في حين لا زال أغلب المواطنين ضحية التقنين الجائر يُضاف إليها استحالة تركيب الغالبية العظمى منهم لألواح الطاقة البديلة في المنازل الأمر الذي يؤكد أن الطاقات البديلة في سورية تحتاج إلى إدارة سليمة من قبل فريق اقتصادي مختص، منوّها إلى ضرورة التشجيع لفتح مشاريع لبدائل الطاقة مع وجود إدارة اقتصادية مختصّة بتشجيع اختراع الطاقات البديلة، ناهيك عن أهمية اختيار أهدافنا الاقتصادية من خلال وجود إدارة للأهداف وإدارة للإنتاج على المستوى الكلي للبلد.
ميس بركات