انتفاضة جديدة في فلسطين المحتلة
هيفاء علي
يتوقع المحللون اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة جراء استمرار الأعمال الاستفزازية والإجرامية التي ترتكبها قوات الاحتلال الاسرائيلي يومياً بحق الشعب الفلسطيني، حيث استهدفت قوات الأمن في الأيام الأخيرة ما لا يقل عن أربعة فلسطينيين دون حتى محاولة اعتقالهم، وتوجيه التهم إليهم رسمياً وتقديمهم للمحاكمة. هذه الإعدامات التي تُنفذ في هجمات جماعية ترهب السكان المحليين، وتنتهك جميع معايير العدالة القانونية بما في ذلك البراءة حتى تثبت الإدانة. هذه الجرائم يدعمها تحالف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليميني المتطرف، وجميع فصائل النخبة السياسية الصهيونية – العلمانية والدينية – والنظام القضائي الإسرائيلي، بما في ذلك المحكمة العليا. فقد داهم 200 جندي، بينهم وحدات سرية، نهاية الأسبوع الماضي، مدينة نابلس القديمة في شمال الضفة الغربية، وقتلوا بالرصاص الحي معاذ المصري وإبراهيم جبر وحسن القطناني وجرح أربعة آخرين، هؤلاء الرجال الثلاثة كانوا أعضاء في كتائب القسام. وكانت تلك العملية واحدة من هجمات الاغتيالات شبه اليومية التي تشنها سلطات الكيان الاسرائيلي في الضفة الغربية.
وبحسب جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، فقد أصيب حوالي 166 شخصاً في هجوم الأربعاء الماضي، معظمهم بسبب استنشاق الغاز المسيل للدموع، وأصيب أربعة أشخاص بالذخيرة الحية، بينما أجبرت كثافة الهجوم والاشتباكات العنيفة مع المقاتلين الفلسطينيين المدارس على تعليق الدراسة. وفي نفس اليوم، أطلقت قوات الاحتلال الصواريخ على قطاع غزة المحاصر، ما يدحض ادعاء تل أبيب بأن الأهداف الستة عشر كانت مواقع عسكرية للمقاومة. وجاء الهجوم الإسرائيلي في أعقاب إطلاق صاروخ من غزة أدى إلى إصابة ثلاثة أجانب في مدينة سديروت الجنوبية، حيث تم إطلاق الصواريخ من غزة رداً على مقتل خضر عدنان، الأسير الفلسطيني البالغ من العمر 44 عاماً الذي كان قد أضرب عن الطعام لمدة 86 يوماً احتجاجاً على اعتقاله في أحد السجون الإسرائيلية.
والشهيد خضر عدنان، من قرية عرابة، بالقرب من جنين، معروف بتحديه للسلطات الإسرائيلية، حيث قضى حوالي ثماني سنوات رهن الاعتقال، دون توجيه اتهامات أو محاكمة. بدأ ستة إضرابات عن الطعام (25 يوماً في 2004، و66 يوماً في 2011 و2012، و55 يوماً في 2015، و58 يوماً في 2018، و25 يوماً في 2021) من أجل إطلاق سراحه.
أوامر الاعتقال هذه دون تهمة أو محاكمة، والتي تصدر عادة لفترات ستة أشهر، يمكن تجديدها إلى أجل غير مسمى، بينما لا يُسمح للمحامين بالإطلاع على الأدلة ضدهم. وقد ارتفع عدد الفلسطينيين المعتقلين حالياً دون تهمة أو محاكمة إلى أكثر من 1000، وهو أعلى رقم منذ الانتفاضة الثانية. وعلى الرغم من معدل الإدانة بنسبة 100٪ للفلسطينيين في المحاكم العسكرية الإسرائيلية، إلا أن عدنان لم يحاكم، وتوفي بعد حرمانه من العلاج الطبي أو الزيارات العائلية، وكانت محكمة استئناف عسكرية قد رفضت الإفراج عنه قبل أيام قليلة من وفاته.
أثار استشهاد عدنان غضباً كبيراً في الضفة الغربية، حيث أعلنت عدة مدن إضرابات عامة، وهو أول فلسطيني يموت خلال إضراب عن الطعام منذ ما يقرب من 40 عاماً، ليرتفع إلى 237 عدد الأسرى الفلسطينيين الذين لقوا حتفهم في الحجز الإسرائيلي منذ عام 1967. هذا وترفض السلطات الاسرائيلية حتى الآن تسليم جثته لعائلته لدفنها، وكذلك جثث مئات الفلسطينيين الذين ماتوا في السجن أو قتلوا في حوادث أمنية، وهي سياسة أقرتها المحكمة العليا في عام 2019.
في الشهر الماضي، قدمت منظمتا “الحق” و”الضمير”، وهما منظمتان فلسطينيتان رائدتان لحقوق الإنسان، أدلة إلى المقرر الخاص لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة المعني بالمعاملة القاسية والمهينة من قبل “إسرائيل” للسجناء الفلسطينيين والجهود المبذولة للتستر على هذه الجرائم، وقالوا إن الطاقم الطبي في السجون الإسرائيلية يعطي الضوء الأخضر لاستجواب المعتقلين الفلسطينيين، متجاهلين أدلة التعذيب على أجسادهم، بالإضافة إلى “القيود التي تفرضها الحكومة الإسرائيلية على العلاج الطبي” والتي تسببت في وفاة أسرى على مر السنين.
في شهر شباط الماضي، كانت بلدة حوارة مسرحاً لمذبحة قام بها مئات من المستوطنين الإسرائيليين بعد إطلاق النار على إسرائيليين أثناء قيادة سيارتهما في البلدة. القوات المسلحة والشرطة ليسا وحدهما اللذان يلعبان دور القضاة والجلادين، فالمدنيون الإسرائيليون الذين يعيشون في المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة يفعلون ذلك أيضاً، مع الإفلات التام من العقاب. في الأشهر الأربعة من هذا العام، قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي ما لا يقل عن 102 فلسطينياً، من بينهم 20 طفلاً.