صحيفة البعثمحافظات

الأهالي ضحايا الدروس الخصوصية.. ملايين الليرات تذهب لجيوب “تجار العلم”

لن يكون الحديث عن الدروس الخصوصية جديداً، لاسيما أنها أصبحت أمراً واقعاً مفروضاً في ظل إصرار الأهالي على إخضاع أولادهم لها بغض النظر عن ما تقدمه تلك الدروس من قيمة مضافة ومدى استيعاب الطالب، إضافة إلى الارتفاع الجنوني لساعات الدروس الخاصة والتي تصل الجلسة الواحدة إلى 30 آلف ليرة للمادة، مما يضطر الأهل لتخصيص ميزانية كبيرة على حساب الحياة المعيشية الصعبة وذلك لضمان التفوق والنجاح بدرجات عالية، إذ يؤكد والد طالب متقدم للشهادة الثانوية أن ابنه كلفه لغاية الآن أكثر من مليون ليرة وكل هذا والامتحانات لم تأتي بعد “والخير لقدام” على حد قوله.

تجارة رابحة

وأوضحت إحدى الأمهات أن لديها ابنتين واحدة صف “تاسع” وأخرى “بكالوريا” تكلفت عليهما خلال أسبوع 200 ألف ليرة لقاء خمس جلسات فقط لمادة الرياضيات، معتبرة أن بعض المدرسين امتهنوا الدروس الخاصة كتجارة رابحة مع ترويجهم لشائعات عن صعوبة المناهج وعدم وجود الوقت الكافي لإنهائه في المدرسة مما يؤثر على الطالب الذي ينشغل ويرهق أهله مادياً في الدروس الخصوصية.
أما طالب الشهادة الثانوية قصي اعتبر أن سبب تفاوت الأسعار هو خبرة الأستاذ وقدمه في التدريس، حيث أن الأستاذة المشهورين بتوقعاتهم الصائبة لهم أجورهم الخاصة”، مؤكداً أننا كطلاب نفضلهم لأنهم يعرفون ثغرات الكتاب ومطباته، كما أننا نفضل المدرس الذي يجعل الطالب يحصل على العلامة، فهناك أساتذة يرشدون الطالب مثلاً إذا جاء سؤال ولم يعرف إجابته ماذا يكتب لكي يجمع أكبر قدر ممكن من علامات السؤال حسب كلامه .

وجهة نظر اقتصادية

أما السيد أبو حسين لديه وجهة نظر محسوبة بطريقة اقتصادية -كونه يعمل بالتجارة- إذ يرى بأنه مستعد أن يتكلف على ابنه 5 ملايين ليرة لقاء دروس خصوصية لضمان دخوله الجامعة الحكومية بعلامات عالية، بدلاً من أن يضطر في حال كان المجموع منخفض إدخاله الجامعات الخاصة والتي كلفتها أضعاف الدروس الخصوصية بكثير.‏

في المقابل يرى تربويون أن من أسباب انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية عدم الوعي لدى بعض الأولياء الذين يخضعون أولادهم للدروس الخصوصية من أجل البريستج في الوسط الاجتماعي أو لإراحة أنفسهم من متابعة أبنائهم، مما يفتح المجال أمام أستاذة الخصوصي لاستغلال الأهل وتكثيف الدروس من أجل الحصول على مبالغ مالية إضافية.

فقدان الثقة

وعزا مدرسون لجوء الأهالي للدروس الخصوصية إلى صعوبة المناهج الدراسية والكثيفة وعدم اهتمام المدرسين بالإعطاء وتحكيم الضمير المهني أثناء دوامهم بالمدارس الحكومية، في حين يعتبر مختصون أن الطالب الذي لم يستوعب ما أخذه في مدرسته لن ينفعه معهد خاص ولا خبرة المدرسين المختصين، محملين الأهالي مسؤولية عدم المتابعة والتواصل مع المدرسة ومتابعة أبنائهم والسؤال عنهم معتمدين على الدروس الخصوصية مما يترك حالة فوضى وشغب عند الطالب الذي يقضي أغلب وقت الحصة في اللهو و التأثير على زملائه في الصف.

وأوضحت مديرة مدرسة أن من مخاطر الاعتماد على الدروس الخصوصية فقدان الثقة بمعلم الصف رغم أن بناء الثقة بين المعلم والطالب من أهم خطوات نجاحه. وأهم مراتب تفوقه وبالتالي لن يركز الطالب في الحصة الدرسية لأن معلم آخر سيقدم له  الدرس في منزله، مما قد يلجأ إلى الشغب أو اللامبالاة وقد يؤذي رفاقه بتصرفاته، مضيفة أنه سيفتقد العمل الجماعي مع فريق ضمن الصف، مشيرة إلى أنه سيصبح انعزالياً غير اجتماعي أناني غير محبوب عدا عن الاختلاف في طريقة الإعطاء التي قد تدفع الطالب إلى نوع من الشك والحيرة وقد تؤدي إلى القلق إذا لم يكن المعلم في المنزل مؤهلاً بما فيه الكفاية للتعليم التربوي والصحيح ولتقديم المعلومة الدقيقة.

مرض اجتماعي

ودعت المديرة إلى توعية الأهل لإعادة بناء الثقة مع المعلم وإيصال هذه الثقة للطالب مع التأكيد على أن الحصة المدرسية هي المكان الأمثل لتلقي المعلومة بين الأقران في الصف وأن المعلم جاهز لأي استفسار ولأية إعادة لشرح المعلومة وفي أي وقت، مشيرة إلى أن التواصل المباشر للأهل مع المعلم وإخباره عن أي تقصير وتعليق الأمل عليه مما يدفعه للاهتمام الأكبر والمتابعة الأمثل. والتعاون لإزاحة كل أسباب التقصير.

واعتبر مدرسون متقاعدون أن الدروس الخصوصية مرض اجتماعي وتربوي يجب علاجه علاجاً يشبه الكي لا رجعة بعده، إلا أن  خبراء تربويين اعتبروا أن الحاجة للدروس الخصوصية سببه خلو بعض أغلب المدارس من الكوادر التعليمية الخبيرة وذهابهم إلى القطاع الخاص نظراً للأجور المرتفعة هناك، مبررين هذا التصرف من قبل الأهالي كون الشهادة الثانوية مفترق طرق وتحدد مصير ومستقبل أبنائهم.

رياء اجتماعي

وأشار  الخبير التربوي جابر معمرجي إلى نوع آخر من الأهل نتيجة انشغالهم يقومون بإحضار مدرس لمتابعة الابن في البيت وهذا من باب الرياء الاجتماعي، إضافة إلى عدم استطاعة بعض الطلاب للتحصيل العلمي نتيجة الاكتظاظ في الصفوف ما يستدعي إحضار مدرس إلى المنزل من الاستفادة ولكن النتيجة عكسية في بعض الأحيان تؤثر على الدراسة لاسيما أن الاستعانة المبكرة بمدرس خصوصي تؤثر نفسياً بالسلب على الطفل كونها تؤكد أن الطفل ليس جيداً  في مادة معينة، لذلك ينبغي للآباء الاستماع إلى نصائح المعلمين قبل الاستعانة بمدرس خصوصي.

مسؤولية الجميع

مدير الإشراف التربوي في وزارة التربية إيناس مية أكدت على اتخاذ الإجراءات المناسبة بحق المدرس غير الملتزم بالدوام في المدرسة وفق الخطة الدرسية وذلك بعدم تكليفه في العام القادم ونقله إلى خارج المنطقة التعليمية ليصبح مدرساً للصفوف الانتقالية فقط، معتبرة أن الحد من هذه الظاهرة مسؤولية الجميع من “تربية وإعلام وأسرة” من خلال توعية الطلاب من مخاطر الدروس الخصوصية التي تفقده للمهارات لاسيما باعتماده على حفظ المعلومة بصم من دون تحليل واستنتاج، مشيرة إلى تطوير المناهج التربوية باعتماد مدخل النشاط لصبح المتعلم محوراً للعملية التعليمية وانتقاله من متلق سلبي إلى مشارك فاعل يبحث ويحلل ويستنتج ويطبق المعارف والمهارات، إضافة إلى تدريب المعلمين والمدرسين على مجموعة من المحاور أهمها طرائق النشطة واستخدام الوسائل التعليمية مع تدريب الموجهين الاختصاصين وإدارات المدارس واستقطاب خيرة المدرسين من الأطر التربوية وسد الثغرات في المدارس.

ولفتت مية إلى قيام الوزارة ببث الدروس التعليمية على الفضائية التربوية من خلال خيرة المدرسين في الوزارة لشرح الدروس والرد على كافة الاستفسارات عند الطلاب، إضافة إلى إنشاء المنصات التربوية في مركز تطوير المناهج والمحافظات.

علي حسون