صحيفة البعثمحليات

الاحتكام للواقعية؟!

بشير فرزان 

لم تخب شعلة المطالب العمالية رغم تكرار الكثير منها لسنوات طويلة وحضورها المتجدد في كل لقاء عمالي حكومي، فاليوم كان السقف العمالي مفتوحاً وواضحاً من حيث المطالب التي وضعوها أمام الحكومة خلال جلسة مجلس الاتحاد العام لنقابات العمال وتضمنت الكثير من القضايا الحياتية “الاقتصادية والمعيشية” والملفات العمالية والإنتاجية المتعلقة بوقائع العمل في مختلف القطاعات. وطبعاً هذا اللقاء ليس بالجديد سواء لناحية ما تم طرحه من النقابيين أو لجهة الردود التي لم تختلف لا شكلاً ولا مضموناً عن سابقاتها من حيث الإغراق في المبررات والإجابات المفتوحة والواعدة بحلول ومعالجات مستقبلية متأرجحة على “الظروف الاستثنائية” التي تحكم العمل الحكومي الذي يزداد تقهقهراً أمام الوقائع الاقتصادية والمعيشية للعامل.

وطبعاً ما تم نقله للحكومة من خلال المداخلات كان أشبه بالمياه الباردة التي قد تستطيع ايقاظ من نسأل عنهم بعبارة “وينن؟”، حيث برع العمال في عرض واقعهم من كافة المناحي وطرحوا يومياتهم وكيف يتدبرون معيشتهم من المواد الغذائية، كالزيت بالأوقية والغرامات، وذلك نظراً للفقر المدقع الذين يعيشون في غياهبه.

وإذا أردنا توسيع دائرة التدقيق والمراجعة فيما تم تناوله من قضايا وملفات على طاولة الحكومة في سياق الردود، سنجد أن العديد منها لم يكن في محله، فهناك الكثير من المسائل التي لا زالت عالقة في أجندة العمل الحكومي منذ سنوات، وما يزيد الغرابة عمومية الحديث الحكومي عن إعطاء الأولوية للمشاريع الإنتاجية وتقديم التسهيلات بهذا الخصوص، بينما الأمور تسير على أرض الواقع بعكس ذلك، والأمثلة على ذلك عديدة، والدليل ضآلة عدد المشاريع المنجزة تحت عنوان إنتاجي، هذا عدا عن غياب الإطار التوضيحي لها وبشكل أدرج المشاريع الفردية تحت هذا العنوان.

ولكن بالرغم من ذلك كله، فإن الاتفاق والإجماع على “عدم امتلاك الحلول بين ليلة وضحاها” يؤسس لمرحلة جديدة من العمل النقابي الحكومي أكثر تفاعلاً وتواصلاً خاصة مع التأكيد الحكومي على ضرورة أن تكون هناك شراكة حقيقية بين الطرفين لتحقيق خطوات متتالية تتصف بجدية التنفيذ على كافة الأصعدة، وتطوير المؤسسات الاقتصادية والخدمية ومواجهة التحديات التي فرضتها الحرب الإرهابية، إضافة إلى حالة مستجدة تتمثل بالإفصاح وبشكل صريح عن الحاجة للتعاون مع اللجان النقابية لاتخاذ القرارات المشتركة في السياسة النقدية والاقتصادية الراهنة وللمرحلة القادمة. بمعنى أوضح، الفريق الحكومي سيسعى أو سيعمل على تفعيل مبدأ التشاركية بينه وبين الاتحاد العام لنقابات العمال من أجل القيام بكل ما من شأنه التخفيف من تداعيات الحرب الاقتصادية التي يتم التصدي لها خصوصاً على الواقع المعيشي للمواطنين.

إن القراءة المتأنية لما دار وجرى، خلال اللقاء، تثبت أن تجدد الحوار ما بين المؤسستين (النقابية والتنفيذية) فرض عليهما مسؤوليات كبيرة وعملاً جاداً لتغيير لغة التخاطب ورفع سقف الحوار تحت مظلة التفاؤل والتعاون لمعالجة كافة المشكلات العالقة، بما يخدم الواقع ويؤمن ممراً آمناً للخروج من الواقع الصعب بالاعتماد على الذات والإمكانيات الموجودة وتبني العلاقة المباشرة كأسلوب عمل يومي، والحوار بفكر الشركاء، واستعادة ثقة الناس التي أصبح أي أداء بغيابها مهما كان متميزاً خارج حدود النجاح.

ولاشك أن الاحتكام للواقعية في الأيام القادمة سيؤدي إلى وضع النقاط على الحروف ويمكن من توجيه الأحكام الفاصلة بين القول والفعل؛ وبغير ذلك ستكون العودة لنقطة البداية بحيث يستمر سيناريو تحريك المياه الراكدة التي لا تبتعد بنتائجها عن أدوات التسويف والمماطلة التي تتلاعب دائماً بمصائر الناس وبشكل يبقي المطالب العمالية حبيسة الأوراق وتائهة في أروقة الوزارات التي كل ما يصدر عنها يذهب أدراج الرياح.