حكاية كل عام.. القلق والخوف يضربان البيوت مع اقتراب شبح الامتحانات!
أمر طبيعي أن تتوتر الأجواء ويخيّم على أغلب البيوت جو من القلق والتوتر مع اقتراب “شبح الامتحانات”، إذ يتمّ التعاطي مع هذه الفترة الحرجة بحياة الآباء والأبناء بشكل مختلف، كون نتائج الامتحانات ستقرّر مصير الأبناء، وخاصة بعد أن ارتفعت معدلات القبول في الجامعات، لذا لا عجب أن تتغيّر حتى بعض العادات اليوميّة ويصل الأمر إلى تغيير مواعيد وجبات الأكل اليوميّة، وتكاد تنفد من الأسواق بعض أصناف المغذيات والمقويات التي تدخل في تحسين الذاكرة والقدرة على الفهم رغم التحذير منها، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، بل يصبح هاجس أغلب الأمهات البحث في الإنترنت عن الأكلات والأعشاب التي تزيد التركيز وتقضي على آفة النسيان، تحضيراً لأصعب فترة في حياتهم.
ضغوط ومخاوف
تقول السيدة أم محمد (والدة الطالبة أنوار المقدمة على خوض امتحانات البكالوريا بفرعها العلمي) إنّها تعيش فترة عصيبة مع بداية كلّ موسم امتحانات، وهذا ما يؤثّر سلباً حتى على علاقتها بزوجها الذي يتركها تواجه مسؤوليّة نجاح ابنتها وحدها، على حدّ قولها، وتأثر علاقتها بالمحيط من جيران وأقارب ومنعهم من تبادل الزيارات حتى تنتهي فترة الامتحانات لإبعاد كلّ ما من شأنه التأثير على مستقبل ابنتها.
فترة وتمر
ويختلف ولي أمر الطالب هارون في أسلوبه عن أم محمد، فهو كأب يؤمن أن الامتحان يوم عادي، على حدّ قوله، لذ يسعى جاهداً ألا يعطيه أكبر من حجمه، محاولاً قدر المستطاع أن يعمل بشكل متوازن مع أبنائه، إذ يقوم بتحديد برنامج للدراسة والمراجعة مكثّف قليلاً عن المعتاد مع تنظيم وقت المراجعة دون أن يشعرهم بأن الأمر يستحق مجهوداً إضافياً يسبّب لهم حالة نفسية تؤدي إلى نتائج عكسية هم بغنى عنها.
قائمة الممنوعات
قد يصل الأمر إلى تطبيق الأحكام العرفية في البيوت من قبل الآباء على أبنائهم، حيث يحرمونهم من كلّ ما قد يؤثر على دراستهم (ممنوع الزيارات، ممنوع التلفزيون، ممنوع استخدام الموبايل وغيرها من أمور)، في حين قد نجد بعض الآباء يسعون جاهدين أن يظهروا لأبنائهم أنهم في حالة عاديّة جداً في هذه الفترة، ويحاولون أن يكونوا هادئين وأن يقنعوا أبناءهم بأنّ النتائج لا تعنيهم، وهي فترة مؤقتة ستمر وبعدها يشعرون بالراحة عندما يحصدون أجمل نتائج النجاح والتفوق.
في هذا الخصوص ترى الاختصاصية الاجتماعية والنفسية أيلين نصر الله أن أغلب الطلاب يمرون عند اقتراب موعد الامتحانات بوقت عصيب، وهو ما يُسمّى بقلق الامتحان، وهذا القلق يعدّ جيداً بعض الشيء لأنه يحثّ الطالب على الجد والاجتهاد، ولكن القلق إذا كان شديداً يعيق الأداء الجيد والفعال في الامتحان ويؤدي إلى نتائج عكسية.
مواجهة القلق
وتبين نصر الله أن مواجهة القلق عملية تتعلق بطريقة وأسلوب الحياة في فترة الامتحانات وما قبلها، لكن مع ضرورة التركيز على ما قبلها أي منذ بدء العام الدراسي، خاصة وأنه لا يشكل تحدياً للصحة النفسية للأبناء فقط بل للصحة الجسدية والعافية العامة، وتؤكد الاختصاصية الاجتماعية أن هناك مجموعة من الأعراض الواضحة التي تظهر على الطالب تؤكد أنه يعاني من القلق الامتحاني كالشعور بالغضب الشديد والعصبية والحزن، وأعراض تتعلق بالتصرفات والسلوك كالبكاء والعزلة، ومن الناحية الجسدية هناك تعب ووهن عام ونقص شهية، وزيادة ساعات النوم، وهناك تأثيرات تتعلق بالأفكار السلبية بشكل متكرر والإحساس بالفشل خلال الامتحان.
وأوضحت نصر الله أن من أهم أسباب القلق عدم توافر الاستعداد اللازم والمبكر للامتحان والتفكير في الفشل وعدم النجاح وسيطرة الأفكار السلبية، وخوف الطالب من ردود فعل الأهل إذا لم يحقق النتائج المرجوة، وحلمه في التفوق على زملائه وخاصة عند وجود منافسة، مما يحدث جواً من التوتر والقلق، واعتقاد الأهل أن ابنهم سيحصل على أعلى الدرجات بغض النظر عن قدرات هذا الطالب وهنا المصيبة!.
تنظيم وقت الطالب
وأكدت نصر الله ضرورة أن يبدأ دور الأهل منذ بداية العام الدراسي من خلال البدء للتجهيز للامتحان عبر تنظيم برنامج دراسي محدّد وأخذ قسط وافر من الراحة، وتحديد مكان مخصّص للدراسة، واحترام خصوصية الطالب، وتحديد ساعات النوم بما لا يقلّ عن ثماني ساعات، وإيجاد وقت للتواصل مع الأصدقاء بما يحفز السلوك الدراسي للطالب والتخفيف من الضغوط النفسية عنه، والحرص على التقيد بهذه القواعد التي تساعده كثيراً خلال فترة التحضير للامتحان في المنزل، كما أن على الأهل أن يخفوا قلقهم وتوترهم عن ابنهم الطالب لأن ذلك يزبد من توتره وخوفه، وأن يحفز الأهل أبنائهم بالمصطلحات الإيجابية دون تحديد أي مصطلحات من شأنها أن تحدّ من قدرات الطالب الذهنية.
الطب يحذر!
بكلّ الأحوال الشعور بالرهبة والقلق من الامتحان أمر طبيعي، لكن من غير المقبول أن يصل الأمر إلى درجة الرعب عند الأبناء نتيجة سلوك آبائهم وجهلهم لما يسبّبه ذلك من مخاطر، رغم النصائح والتحذيرات الطبية التي تؤكد ضرورة الابتعاد عن التوتر في المنزل لأنه يتسبّب في آثار جانبية تضرّ بجسم الطالب وتقلل من أدائه في فهم واستيعاب مفردات المنهاج، لذا ينصح الأطباء الأهل بعدم زيادة الضغط النفسي على أبنائهم عن طريق خلق حالة من الرعب في المنزل والتهديد والوعيد في حال لم يحصل الأبناء على نتائج جيدة ترفع لهم رؤوسهم!.
دعاء الرفاعي