بمشاركة سورية.. انعقاد اجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي للجامعة على المستوى الوزاري
جدة – سانا
استمراراً للاجتماعات التحضيرية لأعمال القمة العربية بدورتها العادية الـ32 المقرّرة في مدينة جدة السعودية يوم الجمعة القادم، عقد الاثنين، اجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي على المستوى الوزاري بمشاركة وفد سورية برئاسة وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية الدكتور محمد سامر الخليل.
وأعرب الخليل في كلمة له خلال الاجتماع عن شكر سورية للجزائر على الجهود الكبيرة التي بذلتها خلال فترة رئاستها لأعمال الدورة السابقة التي نتج عنها مجموعة كبيرة من القرارات التي تؤكّد أهمية العمل العربي المشترك، مقدّماً التهنئة للمملكة العربية السعودية على استضافتها للدورة الحالية، ومتمنياً لها كل التوفيق والنجاح في تحقيق الأهداف المتوخاة بما يعود بالخير على البلدان والشعوب العربية كافة.
وقال الخليل: لقد ترعرعت أجيال من أبناء بلداننا العربية على عبارات مقرونة بالفعل تؤكّد الانتماء العربي والعلاقات الأخوية بين أبناء الوطن الواحد، من هذه العبارات لم الشمل العربي، وإذ أكّدت القمة العربية الأخيرة التي عُقدت في الجزائر هذه الحقيقة فإن العمل الجماعي والجهود التي تم بذلها لاحقاً وصولاً إلى القمة المرتقبة عكست حقيقة واحدة وهي أن الاحتضان هو فعل إنساني يعزّز الشعور بالأخوة والانتماء إلى الأسرة الواحدة.
وأوضح الخليل أنه في ظل الظروف الاستثنائية الناتجة عن المتغيّرات الإقليمية والدولية، ولا سيما السياسية منها والاقتصادية التي تمر بها جميع الدول، ومنها الدول العربية بشكل عام، بات موضوع تحقيق الأمن الغذائي بصورة تكاملية وليست انفرادية حاجة أساسية وملحّة، مؤكداً أهمية الطروح المقدّمة من بعض الدول الشقيقة خلال الدورات السابقة على هذا الصعيد، لأنها تلامس آمال وتطلعات الشعوب العربية.
وتابع الخليل: نتوجّه بالشكر والتقدير للمواقف النبيلة التي اتخذتها العديد من الدول العربية عقب كارثة الزلزال الذي ألمّ بسورية، فكانت المساعدات المختلفة التي تم تقديمها للمتضرّرين من الكارثة داعماً لما تقوم به الدولة في التعامل مع تداعيات الزلزال المؤلمة، وكانت بلسماً مساعداً على التعافي من الأضرار النفسية والجسدية التي لحقت بآلاف السوريين المتضرّرين.
وأشار الخليل إلى أن سورية كانت قبل الحرب والعقوبات المفروضة عليها من الدول التي تشهد نمواً اقتصادياً مهمّاً وحقيقياً، إلا أن التدمير الذي طال بناها الإنتاجية والخدمية وعمليات السرقة والنهب التي طالت محاصيلها ونفطها والمستمرة إلى يومنا هذا ساهمت في تراجع مستوى أمنها الغذائي والطاقوي بنسبة كبيرة، ولذلك انصبّت جهود الدولة السورية على تعزيز العملية الإنتاجية والتنموية، بما يساهم في الحدّ من أثر هذا التراجع على مستوى معيشة المواطنين، ويسرّع عودة المهجّرين من خلال تهيئة البيئة المناسبة لهم على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، ويمكّنهم من المشاركة في عملية إعادة إعمار بلدهم.
ودعا الخليل الدول العربية إلى المشاركة بالاستثمار في سورية في ظل وجود فرص مهمّة وآفاق واعدة وقوانين جديدة جاذبة للاستثمار في قطاعات رابحة ومجدية اقتصادياً لجميع الأطراف، لافتاً إلى أهمية ودور منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى ليس فقط في تأمين الاحتياجات الاستهلاكية للمواطنين، بل في تأمين احتياجات الاستثمارات والمشاريع التي يتم تنفيذها من مواد أولية وسلع وسيطة وتجهيزات ضرورية، ولذلك فإن التعاون المشترك يجب أن يشمل إزالة جميع القيود التعريفية وغير التعريفية التي تحدّ من فرص الاستفادة من منطقة التجارة الحرة الكبرى بالشكل الأمثل تعزيزاً لدورها في هذه المنطقة بعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ولفت إلى أن سورية وهي موئل كل أبناء الوطن العربي تدعوكم للتباحث في سبل تنمية التعاون المشترك، سواء على المستوى الثنائي أم المتعدّد الأطراف، وفي القطاعات التي تحقّق مصلحة وخير ورفاه بلداننا العربية وشعوبها.
ويضمّ وفد سورية كلاً من معاونة وزير الاقتصاد للشؤون الدولية رانيا أحمد ومدير إدارة الشؤون العربية الدكتور رياض عباس ومدير العلاقات الدولية الدكتور أنس البقاعي، ومن مكتب وزير الخارجية المستشار إحسان رمان ومندوب سورية الدائم لدى الجامعة العربية في القاهرة باسل سكوتي.
وفي مستهل الجلسة رحّب مندوب الجزائر لدى الجامعة العربية حميد شبيرة بوفد سورية مهنّئاً باستئناف نشاطها في اجتماعات مؤسسات الجامعة العربية، ومؤكداً ضرورة دفع المسيرة الاقتصادية والاجتماعية العربية إلى الأمام، ومعرباً في الوقت ذاته عن الأمل بتتويج قمة جدة بنتائج تسهم في تحقيق الأمن والاستقرار لشعوب المنطقة.
كذلك رحّب وزير المالية السعودي محمد الجدعان، بعودة سورية إلى جامعة الدول العربية، معرباً عن تطلّع بلاده إلى العمل المشترك بما يخدم مصلحة الشعوب العربية وما تصبو إليه قياداتها.
وأوضح الجدعان أنه نتج عن الأزمات العالمية المتتالية تحدّيات تنموية واقتصادية مشتركة أظهرت أهمية التكامل الاقتصادي بين الدول العربية، وضرورة تطوير نماذج اقتصادية ومالية مستدامة تساهم في تعزيز المرونة لمواجهة التحديات والمخاطر.
وأكّد الجدعان ضرورة مضاعفة الجهود للعمل بشكل وثيق لضمان تنفيذ القرارات الصادرة عن القمة العربية السابقة في الجزائر، بما يعود بالنفع على البلدان العربية، وينعكس إيجابياً على شعوبها، معرباً عن الأمل بأن تكلل قمة جدة بالنجاح وتخرج بنتائج تساعد على دفع العمل العربي المشترك لتحقيق تطلعات قيادات الدول العربية وشعوبها.
بدوره، قال الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي: ينعقد الاجتماع وسط تطوّرات إيجابية تشهدها المنطقة العربية، حيث تستأنف وفود سورية مشاركاتها في اجتماعات الجامعة العربية تنفيذاً لقرار وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الأسبوع الماضي، معرباً عن ترحيب الجامعة بهذه العودة، ومبيّناً أن الأمانة العامة ستقوم بالتنسيق مع الجانب السوري وإطلاعه على جميع مستجدات العمل العربي في المجالين الاقتصادي والاجتماعي.
وأشار زكي إلى أنه من شأن هذه الأجواء تفعيل التضامن العربي الذي بدأ بالفعل يعكس على نحو عملي المساندة والأخوة بين الدول العربية وشعوبها التي طالما تطلّعت لتحقيق التكامل الذي بنيت عليه بنود تأسيس الجامعة، ما يستدعي تعزيز العمل العربي الاقتصادي والاجتماعي، وتكثيف العمل لوضع خطط قابلة للتنفيذ وذات أفق زمني واضح من أجل تخفيف المعاناة عن الفئات الضعيفة في المجتمعات العربية، وتلك التي تواجه مصاعب لا طاقة لها بها.
ولفت زكي إلى أن قضية الأمن الغذائي العربي تعدّ إحدى أهم الأولويات العربية وأكثرها إلحاحاً بالنظر إلى تناقص المخزون الغذائي على المستوى العالمي، فضلاً عن ارتفاع الأسعار ومحدودية الموارد، حيث إن المنطقة العربية تواجه إضافة إلى ذلك تحدّياً كبيراً يتمثل في استمرار النمو السكاني، لذلك فإن الوضع سيزداد صعوبة إذا لم يتم التعامل معه بالسرعة الكافية، مؤكداً أهمية تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في قمة الجزائر بهذا الشأن.
وزير الاقتصاد الإماراتي عبد الله بن طوق المري شدّد على دعم بلاده الكامل لجهود العمل العربي المشترك من أجل النمو والازدهار، وحرصها على تأييد ودعم توصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والملفات التي سيتم عرضها على القادة العرب في اجتماع القمة.
وأكّد المري وجوب تكثيف الجهود المبذولة لاستكمال متطلبات تطوير منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى والاتحاد الجمركي العربي اللذين بات تطويرهما اليوم ضرورة أكثر من أي وقت مضى، وخاصةً في ظل المتغيّرات العالمية الراهنة، وأثرها على حركة التجارة وسلاسل التوريد باعتبارهما الإطار الاستراتيجي الأمثل لتحقيق الأهداف العربية المشتركة.
من جانبه، أعرب وزير الاقتصاد الفلسطيني خالد العسيلي عن ترحيب بلاده بعودة سورية إلى الجامعة العربية، وقال: نرحّب ثانية بعودة سورية إلى الحضن العربي، أهلاً وسهلاً بكم في بيتكم.
وأوضح العسيلي أن الاجتماع يتزامن مع الذكرى الـ75 لنكبة فلسطين في الوقت الذي يشهد فيه قطاع غزة والقدس وكل المدن والبلدات والقرى في الأراضي الفلسطينية المحتلة هجمة شرسة غير مسبوقة من الاحتلال الإسرائيلي، وما زال الشعب الفلسطيني يعاني من نكبات متتالية من تشريد وتهجير وقتل ويتباهى الاحتلال بانتهاكاته لجميع المواثيق والقرارات الدولية وغياب المساءلة والمحاسبة، ويستمرّ في ارتكاب جرائمه وممارسة التطهير العرقي والعنصري.
ولفت العسيلي إلى أنه رغم ممارسات الاحتلال القمعية وجرائمه إلا أن الفلسطينيين صامدون، وهم يناشدون الدول العربية لدعم هذا الصمود وتمكين الشعب الفلسطيني اقتصادياً لمواجهة آلة الحرب الإسرائيلية والعمل معاً لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
وألقى كل من رؤساء وفود البحرين والصومال ولبنان وليبيا وتونس والأردن وسلطنة عُمان والسودان وموريتانيا والعراق واليمن كلماتٍ أكّدوا فيها ضرورة تفعيل العمل العربي المشترك، وأهمية التصديق على قرارات المشاريع الاقتصادية التي من شأنها دفع عملية التنمية المستدامة إلى الأمام، وتحسين الواقع المعيشي للمجتمعات.
وتلا الجلسة الافتتاحية جلسة عمل مغلقة تم خلالها مناقشة واعتماد مشروع جدول الأعمال المقرّر ومناقشة عدد من مشاريع القرارات الاقتصادية والاجتماعية، منها مشروع القرار الخاص بموضوع التقدّم المحرز واستكمال متطلبات منطقة التجارة الحرة العربية لاتفاقية النقل البحري العربية، ومشروعا القرار المتضمّنان اعتماد الاستراتيجية العربية للسياحة وللاتصالات والمعلومات، ومشروع القرار المتضمّن اعتماد العقد العربي الثاني للأشخاص ذوي الإعاقة، ومشروع القرار المتضمّن اعتماد البرنامج المقدّم من السعودية لرواد الفضاء.
يُذكر أن مجلس الجامعة العربية سيعقد اجتماعه على مستوى القمة في دورته العادية الثانية والثلاثين في الـ19 من أيار الجاري، بحضور قادة وملوك ورؤساء الدول العربية، ورؤساء الوفود المشاركة.
وتُعقد الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية في فندق هيلتون بمدينة جدة، وفي بداية كل اجتماع يتم تسليم رئاسة الاجتماعات من الجانب الجزائري رئيس القمّة السابقة إلى الجانب السعودي الذي يترأس القمة الحالية.