اجتماعات جدّة.. رفع العقوبات عن سورية العنوان الحاضر الغائب
جدّة – البعث
بالنسبة إلى الشارع السوري، يتمحور السؤال الذي يطرح نفسه على امتداد أعمال القمّة العربية واجتماعاتها التحضيرية، حول رفع العقوبات عن سورية، فهل ستساهم الجامعة العربية في رفع هذه العقوبات؟ وهل ستكون هناك ضغوط على الولايات المتحدة الأمريكية لوقفها أو الاستثناء منها؟ وهل سيتم اعتماد قرار بوقف العقوبات التي فرضتها الجامعة نفسها في عام 2011؟.
في الحقيقة، يُفهم من عودة سورية إلى الجامعة العربية أن رفع العقوبات بات تحصيل حاصل، علاوةً على أن الكثيرين يسمّون القمّة “قمة سورية”؛ بمعنى أن كل ما يخصّ المرحلة السابقة فيما يتعلق بسورية يعدّ ملغى وباطلاً. لكن المثير للاهتمام أن وزير الاقتصاد الدكتور سامر الخليل اكتفى خلال اجتماعات المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالدعوة إلى الاستثمار العربي في سورية، وتفعيل منطقة التجارة العربية المشتركة، وهذا لا يعني أن موضوع رفع العقوبات لم يُطرح لكنه قد يشير فقط إلى أن الموضوع قيد التداول، أو أنه بانتظار اتخاذ القرار بذلك.
إن عدم التطرّق إلى الموضوع، لا يعني أنه لم يتم تناوله، أو التداول فيه خلال الاجتماعات، كما هو واضح، فمثل هذه القرارات عادةً ما تُترك لاجتماع القمّة، ولكن ما يرشح عن الكواليس وما توحي به اللقاءات وتتركه الانطباعات هنا في المملكة العربية السعودية، كلّه يؤكّد أن الأمور قيد الترتيب، وأنها وصلت إلى خواتيمها الطيّبة ومراحلها النهائية، إذ عندما كنّا نتحدّث إلى الأشقاء السعوديين والعرب في مقر إقامة الوفد، وفي فندق هيلتون حيث تجري الاجتماعات، لم يكن أحد ليتردّد بالقول: إن هذه القمة هي “قمّة سورية”، لتأكيد الجهود التي تبذلها المملكة في سبيل عودة عمل الجامعة العربية إلى حالته الطبيعية والمأمولة، وعودة العلاقات العربية العربية إلى الصفة المعتادة، وهذه الحقيقة يمكن أن يلمسها الجميع لدى كل الوفود.
مع ذلك، ينبغي التأكيد أن سورية معنية برفع العقوبات وتعوّل على الاستثمارات العربية وعلى منطقة التجارة الحرة المشتركة التي تعني من حيث المضمون الإلغاء التلقائي للعقوبات وتخطّي الحواجز والعمل بكل الآليات الأخرى التي من شأنها دفع عملية إعادة الإعمار إلى الأمام وبقوة، لكن من المهم أن ندرك تماماً أن سورية تراهن على العلاقات الثنائية وسط ظروف لا تملك فيها أطراف كثيرة الرغبة أو القدرة على مواجهتها، وهذا مبدأ ومنطلق أساسي، وذلك أن عملية إعادة الإعمار سوف تُقلع مهما كانت الظروف، ومهما اشتدّت المصاعب، وحتى لو جاءت الاستثمارات من الخارج، وهي قادمة، فسيبقى العامل السوري هو الأساس فيها.
طبعاً، قرار الرفع الفوري للعقوبات عن سورية ينطوي على أهمية كبيرة من الناحية العملية، هذا الكلام صحيح، ولكنه ينطوي بالتوازي على قيمة رمزية عالية، ويرسّخ حقيقة الانطباعات العامة السائدة حالياً بأن قرار المنطقة يعود إلى أيديها، وأن المنطقة باتت سيّدة نفسها، وستعمل وفق مصلحتها ومصلحة شعوبها ودولها بعيداً عن أيّة إملاءات خارجية.
إن ما تكشّف في الفترة الأخيرة هو أن عودة سورية إلى الجامعة ليست قضية أدبية أو شكلية، وليست مسألة عواطف، بغض النظر عن أهمية ذلك، لأننا أشقاء بالمحصلة الأخيرة، فقضية رفع العقوبات عن سورية قضيّة سيادة، وهي أكبر تعبير عن عزم دول المنطقة والأشقاء العرب على انعتاقهم والتصرّف بمصيرهم، ودليل أكيد على الرغبة النهائية في التخلّص من الهيمنة الأمريكية.. إنها عودة المنطقة إلى ذاتها، وعودة قرار المنطقة إلى أصحابه الأساسيين الحقيقيين.
دون أي مبالغة، ورغم السنوات العشر الماضية التي تميّزت بنوع من البرود، وربما أكثر من ذلك بين البلدين سورية والسعودية، إلا أن السوريين والوفد الإعلامي السوري خاصةً لدى وصوله إلى جدة، كان يلاحظ الحفاوة البالغة التي استقبل بها السعوديون أشقاءهم السوريين.
إن تفاصيل وحيثيات الحضور السوري في قمّة الرياض هذه الأيام، حقيقة، خارجة عمّا هو متوقع ومألوف إلى حدّ كبير، وحتى أشقاؤنا في السعودية عندما يتم سؤالهم عن هذه القمة يقولون: إنها “قمّة سورية”، وما سيجري خلال اليومين القادمين والتوقعات فيما يخص العلاقات السورية السعودية واعدٌ لدرجة أنه من المنطقي والمقبول أن يندفع السوريون بكل هذا الحماس ويعدّون نجاح القمّة بمنزلة نجاح لهم.
وحقيقة، إن حرص الأشقاء السعوديين، إعلاميين ومواطنين عاديين، على القول: إنها قمّة سورية، لن يزيد السوريين إلا عزماً وتصميماً على تجاوز الظروف الراهنة، وأيّ حديث آخر هنا يبدو غير ذي معنىً وفي غير محلّه، فما يحدث هو تطوّر هائل وقفزة كبيرة إلى الأمام واختراق من العيار الثقيل.
ومثل هذه الاختراقات هي من الأهمية بحيث إن أيّ حديث عن الماضي، أو أي محاولة لنكء الجراح، تبدو أمامها قضية غير ذات معنىً.
وسواء رُفعت العقوبات بقرار رسمي أم لم تُرفع، فإن العقوبات تموت ببطء وتجاوزها يغدو تحصيل حاصل.