دور شركات الأسلحة الأمريكية في أوكرانيا
علي القدّار
تأخذ السياسة الأمريكية في العديد من القضايا العالمية بعضاّ من المحدّدات الخارجية والداخلية التي تأخذ دوراً مهماً في رسم استراتيجية المصالح القومية للهيمنة والسيطرة على العالم، ولأنها تعدّ نفسها دولة عظمى تسعى إلى تحقيق أهدافها ونفوذها باستخدام مختلف أدواتها وقواها السياسية والاقتصادية والعسكرية من خلال استغلال عوامل الضعف أو النزاعات أو الأزمات التي تصيب الدول بشكل حتمي كما في الأزمة الأوكرانية.
لهذا فإن السياسة الأمريكية يمكن في بعض الحالات أن تخضع للعديد من تأثير تجاذب واستقطاب المؤسسات الداخلية كوزارة الخارجية والاستخبارات ووزارة الدفاع وغيرها، سواء في سياساتها الداخلية أم الخارجية، وذلك ينعكس بالضرورة على مقاربة السياسة الأمريكية تجاه الأزمة الأوكرانية التي كان فيها توجّه نحو تطويق روسيا وعزلها لأنها ترى في هذه الدولة تهديداً على استفرادها في السيطرة على النظام الدولي الذي يلخّص طبيعة العلاقات بين الدول بغض النظر عن موقف الرئيس ورؤيته الخاصة نحو السياسة الخارجية.
تُعرّف التوصيفات المعروفة حول دور اللوبيات ومجموعات الضغط بأنها مجموعة من الفعاليات الاجتماعية والاقتصادية داخل الولايات المتحدة الأمريكية لها تأثير في آلية الاقتصاد بما يجعلها ذات تأثير في السياسة الخارجية، ومن ضمن تلك المجموعات الضاغطة على صناعة القرار الأمريكي مجموعة ضغط ذات طبيعة اجتماعية – سياسية، وهي الآيبك التي تتألف من مجموعة من اليهود الداعمين ومجموعة ضغط أخرى تختصّ فيها شركات صناعة الأسلحة التي كان لها دور خاص سواء في زمن الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة أم في الأزمة الأوكرانية التي بلغت فيها أرباح شركات الأسلحة مئات المليارات من الدولارات.
يأتي دور شركات الأسلحة في النزاعات العسكرية في زمن لم تعُد فيه العلاقات الدولية تقتصر على الدول فقط، بل بدأت تشمل المنظمات الدولية غير الحكومية والشركات المتعددة الجنسيات التي باتت لها قوّة اقتصادية وسياسية هائلة باتت تعادل أو تضاهي قوّة الدول، ويعود فضل ذلك إلى النتائج التي أنتجها النظام الدولي الذي سيطرت عليه أنماط محدّدة في الإنتاج والاستهلاك بشكل أصبح من السهولة بمكان تداول الأسلحة كأي سلعة استهلاكية على الرغم من خطورتها وآثارها التدميرية.
يمتاز لوبي تجارة الأسلحة في الولايات المتحدة الأمريكية بطابع خاص لأن ظاهرة انتشار التسلّح بين المواطنين الأمريكيين شائعة وموجودة بصفتها حقاً قانونياً يكفله الدستور، وذلك إضافة إلى التسلّح الخارجي للجيش الأمريكي نظراً لميزانية الدفاع الهائلة التي تتجاوز مئات المليارات من الدولارات التي زادت بدورها نتيجة الأزمة الأوكرانية والعلاقات مع روسيا.
أطلقت الأزمة الأوكرانية محرّكات الإنتاج للمجمع الصناعي العسكري الأمريكي بشكل غير مسبوق لتلبية احتياجات أوكرانيا من الأسلحة لمواجهة روسيا بما أدّى إلى نتائج ذات آثار كبيرة على المستوى السياسي والعسكري كارتباط السياسة الأوروبية أكثر بالسياسة الأمريكية وفتح سوقاً جديدة لشركات الأسلحة نحو أوروبا، ولهذا ترى شركات إنتاج الأسلحة الأمريكية أن حصصها السوقية تأخذ ارتفاعاً كلما زاد التدخل العسكري الأمريكي في الأزمات الدولية التي تفتح مجالاتٍ واسعة لتقديم منتجاتها وخدماتها في مجال الأسلحة والخدمات الأمنية.
مع زيادة حدّة النزاع العسكري في الأزمة الأوكرانية أصبحت أوكرانيا سوقاً شرهة للأسلحة نظراً لزيادة مشتريات الأسلحة إلى درجة تناقص الكميات المخزّنة وتنامي أرباح الشركات المنتجة للأسلحة ذات المواصفات العالية الدقة والقوّة النارية كقاذفات الصواريخ (هيمارس_ مدافع هاوتزر _ دبابات ليوبارد).
من الناحية السياسية قد تشكّل زيادة إنتاج الأسلحة جزءاً من السياسة الأمريكية في تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية مع حلفائها من خلال الترويج للأسلحة التي يتم تزويد أوكرانيا بها على أساس أنّ تتم تجربة مدى تأثير تلك الأسلحة في ميدان المعركة بشكل مرتبط مع قيام السياسة الأمريكية بتعزيز الهواجس الأمنية للدول الأوروبية حيال روسيا بعد الأزمة الأوكرانية.
أحدثت الأزمة الأوكرانية ظروفاً موضوعية من أجل زيادة نفوذ لوبيات السلاح الأمريكية على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على الرغم من أن الإدارات الأمريكية كانت تتفاوت في سياساتها تجاه إعطاء المزيد من الإنفاق على حساب قطاعات أخرى كالصحة والبنية التحتية والتعليم، على اعتبار أن تلك السياسات كانت جزءاً من السياسة التقليدية للحزب الجمهوري، حيث أصبحت سياسة احتواء روسيا جزءاً ملازماً للسياسة الأمريكية نظراً لما وصلت إليه العلاقات الثنائية بين الطرفين ولعدم القدرة على تسوية الأزمة.
إضافة إلى ذلك هناك العديد من الآثار السلبية لتنامي زيادة الدعم الأمريكي للوبي السلاح تكمن في تصميم السياسة الأمريكية على تطويق روسيا بحلف الناتو من خلال ضمّ دول جديدة مثل فنلندا والسويد إلى الحلف يمكن أن تصبحا سوقاً جديدة للسلاح الأمريكي والغربي، وهو ما يشكّل تحدّياً جدياّ أمام القدرة على تسوية الأزمة بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا التي قامت بالتدخل عسكرياً لمنع انضمام أوكرانيا للحلف وتطويق روسيا نهائياً.