انتخابات محلية ترسم مسار الأحزاب البريطانية
ريا خوري
شهدت المملكة المتحدة قبل عدة أيام انتخابات المجالس المحلية التي تصارع عليها حزب العمال البريطاني، والأحرار الديمقراطيين. وعلى الرغم من النجاح الواضح لحزب العمال في معظم مناطق بريطانيا، إلا أن الحزب بحاجة إلى المزيد من العمل وبذل الجهد لترجمة ذلك الفوز إلى انتصار في الانتخابات البرلمانية على مستوى البلاد التي ستجري العام القادم. صحيح أن اتجاهات ومسارات التصويت في الانتخابات المحلية تقوم أساساً على عدة عوامل، أهمها خدمات الحيّ أكثر منها على السياسة العامة للأحزاب والقوى السياسية، كما في الانتخابات البرلمانية، ولكن الذي جرى في الانتخابات المحلية شكّل خسارة غير مسبوقة لحزب المحافظين الحاكم.
صحيح أن رئيس الوزراء ريشي سوناك ليس المسؤول الوحيد عن تدهور ثقة الناخبين البريطانيين في حزب المحافظين، بل تتحمّل رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس وسلفها بوريس جونسون المسؤولية الأكبر عن تدمير تلك الثقة، وإحداث خلل كبير بين الحزب والمواطنين. والواضح من نتائج الانتخابات المحلية التي جرت يوم ٥ أيار الجاري، التي كانت أول اختبار انتخابي لرئيس الوزراء ريشي سوناك، أنه لم يستعد تلك الثقة ولو قليلاً. وبالتالي، فإن أي نجاح كان قد حققه حزب العمال البريطاني لا يعود إلى زيادة كبيرة في ثقة الناخب البريطاني، وإنما على الأرجح نتيجة التصويت الرافض والاحتجاجي على حزب المحافظين، بمعنى رفض الناخبين لحزب المحافظين الحاكم رفضاً مؤثراً.
المشكلة الحقيقية الكبرى هي أنّ السياسة البريطانية بشكلّ عام قد أصابها الضعف والوهن، وتراجعت بنية النظام بعد حالةٍ من النكوص والارتكاس نتيجة الفساد الإداري والمالي، حتى لا تكاد تجد خلافاً كبيراً في التوجهات والسياسات العامة بين الحزبين الرئيسيين الكبيرين. ولا يتوقف الضعف والوهن السياسي البريطاني على موضوع الانسحاب من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، بل على السياسات المطروحة لمواجهة ارتفاع كلفة المعيشة والغلاء العام، وضعف القيمة الشرائية للجنيه الإسترليني، وزيادة التضخم على جموع المواطنين البريطانيين.
مع ضعف ووهن السياسة البريطانية، سيكون الاقتصاد هو العامل الحاسم والأهم في الانتخابات البرلمانية القادمة، والتي ستأتي في وقت يعاني فيه الاقتصاد البريطاني من حالات كبيرة من التدهور وصلت إلى معدلات غير مسبوقة لدولة من الدول المتقدمة في العالم.
إن المتابع لمجريات الأحداث الاقتصادية في العالم يدرك أهمية تقرير صندوق النقد الدولي نصف السنوي، الذي بحث مطولاً وبشكلٍ تفصيلي عن توقعات النمو العالمي، حيث ركز على أن الاقتصاد البريطاني سينكمش بشكلٍ ملحوظ هذا العام، على عكس النظراء في الدول الأوروبية الأخرى.