قمة العمل العربي المشترك
علي اليوسف
بعد كلّ ما حلّ بالمنطقة لجهة الحرب الإرهابية الكونية على سورية، وحرب “الناتو” على ليبيا، والاقتتال في السودان، والملف الفلسطيني، وغيرها من الملفات الكثيرة، من الطبيعي أن يكون العنوان العريض للقمة العربية في جدة هو العمل العربي المشترك.
هذا العنوان بات ضرورة ملحة في هذا التوقيت ليكون منطلقاً للعمل مع الأشقاء العرب، وتحديد المعطيات لمواجهة التحدّيات التي يتعرّض لها الجميع. وبعودة سورية إلى مقعدها في الجامعة العربية يكون العقد قد اكتمل فسورية –قلب العروبة النابض- لم تغب يوماً عن الأزمات التي عصفت بالمنطقة، وتحديداً الصراع الفلسطيني- الصهيوني، وها هي اليوم بحضورها القمة تعود لتؤكد أن العمل العربي المشترك هو الأساس الذي يُبنى عليه مستقبل المنطقة، وليس الأجندات الخارجية التي تفرضها الولايات المتحدة، ودول الاستعمار القديم والتي تهدف جميعها إلى عرقلة أي تطور ينشده العرب معاً.
سورية اليوم بحاجة إلى هذا العمل المشترك أكثر من أي وقت مضى، لأنه الرافعة الحقيقية لها في محيطها العربي، ومن الضروري أن تقترن هذه الرافعة برفع العقوبات الاقتصادية العربية من جهة، والضغط على الإدارة الأمريكية لإلغاء أو تجميد عقوباتها الأحادية على سورية من جهة أخرى للبدء بإعادة الإعمار الكفيلة بعودة ملايين النازحين واللاجئين إلى مناطقهم التي دمرها الإرهاب من مناطق سكنية ومنشآت صناعية وزراعية ومرافق خدمات أساسية أبرزها الكهرباء والمياه والمدارس.
وعليه فإن كلّ ما يتطلبه العمل العربي المشترك في هذه اللحظة المفصلية ليس الاعتراف بما تسبّب به ما يُسمّى “الربيع العربي” من خراب سياسي وحروب واضطرابات، وإنما البدء بمرحلة جديدة من التعاون الفعّال بين دول المنطقة بما يحقق لها الأمن والاستقرار والنمو. والبداية يجب أن تكون بمساعدة سورية فعلياً بما تمتلك الحكومات العربية من طاقات وإمكانات ونفوذ، أي بترجمة ما جاء في بياناتهم الأخيرة في الرياض وعمان والقاهرة “الالتزام بالحفاظ على سيادة سورية، ووحدة أراضيها واستقرارها وسلامتها الإقليمية، استناداً إلى ميثاق جامعة الدول العربية ومبادئه”. وهذه الترجمة لمساعدة سورية على الخروج من أزمتها انطلاقاً من الرغبة في إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة على مدار السنوات الماضية، لن تكون مفيدة في البيانات الورقية، بل من الضروري أن تتحول إلى أفعال ملموسة على أرض الواقع، خاصةً وأن الغرب الجماعي لن يستطيع مواصلة الحصار على الشعب السوري إذا ارتفع الصوت العربي، وانفتحت الدول العربية اقتصادياً ومالياً على سورية، وتقرر المشاركة الواسعة بإعادة الإعمار الكفيلة وحدها بحلّ الأزمة السورية.
بهذا العمل العربي المشترك، سيذهب مشروع “الفوضى الخلاقة” الذي أعلنت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس خدمة للشرق الأوسط الجديد أدراج الرياح، وما يعزّز هذا الاعتقاد هو الاتفاق السعودي الإيراني، وعودة سورية إلى الجامعة العربية. بمعنى آخر، لقد بات ملحاً أن تتماشى السياسات الخارجية للدول العربية -ضمن إطار العمل العربي المشترك- مع حالة الانفراج السياسي الذي تشهده دول الإقليم، والذي يقتضي تنسيقاً اقتصادياً وأمنياً وسياسياً وإعلامياً، وبما يخدم إيران والسعودية ودول الخليج وسورية، وباقي دول المنطقة.
من هنا يأتي العمل العربي المشترك كأولوية لجميع الأطراف، وخاصةً بالنظر إلى دور المملكة العربية السعودية التي تستضيف القمة، ففي عام 2011 كانت السعودية بقيادة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، واليوم تغيّرت القيادة إثر رحيل الملك عبد الله، ليتولى زمام البلاد الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.
لقد أحدث ابن سلمان تغييرات هائلة وجذرية في الداخل السعودي، تلك التحولات لم تقتصر على إحداث ثورة إصلاح داخلي، بل لحقتها اليوم ثورة أكثر أهمية في اتجاهات السياسة الخارجية. فقد أسّس ابن سلمان لمسار عميق واستراتيجي يخصّ استقلالية السياسة الخارجية، فبنى تحالفات مع الصين وروسيا، مع محاولات جريئة لتحويل العلاقات مع الغرب من علاقة هيمنة وتبعية إلى تكافؤ متوازن في المصالح والأهداف. وعلى مستوى الإقليم أنجز ثلاث خطوات مهمّة، الأولى وقف حرب اليمن والجنوح إلى الحوار مع اليمنيين، والثانية إعادة العلاقات مع إيران وسدّ باب التحريض الطائفي، والثالثة إحداث خرق كبير بالملف السوري عبر إعادة العلاقة مع دمشق التي تتواجد اليوم في القمة كأحد أركان الدول المحورية في المنطقة.