انخفاض “وهمي” بسعر الفروج.. خسائر المربين بالملايين وعزف متكرر على وتر استيراد الأعلاف!
لم ينجح انخفاض سعر الفروج خلال الفترة الأخيرة بكسبه ضيفاً على موائد المواطنين ممن لم يلمسوا أي فرق يُذكر بسعر المادة التي ضجّت صفحات الأخبار بها، ففي الوقت الذي انعدم التفكير فيه بشراء هذه المادة عند الغالبية العظمى من المواطنين لتخطي سعر الـ2 كيلو منه الأجر الشهري للموظف الحكومي، كان اتجاه الشراء نحو الخضراوات التي هي الأخرى اتجهت أسهم أسعارها صعوداً بشكل يتناسب طرداً مع ارتفاع سعر الصرف، في المقابل وجدت شريحة أخرى بهذا الانخفاض الوهمي وميض أمل لشراء “قطع” من الفروج مرة واحدة في الشهر كحلّ مؤقت ريثما تفي الجهات المعنية بوعودها في إيجاد حلول جذرية لمشكلة هذا القطاع من تأمين الأعلاف أو مستلزماته بشكل يضمن عدم خسارة المربين، ويُرضي جيب المواطن غير القادرة على شراء أدنى مستلزمات المعيشة اليوم!.
إجازات استيراد
واختلفت التصريحات والتحليلات التي توضح سبب الانخفاض، لتجتمع الآراء الرسمية على تغيّر النمط الاستهلاكي بسبب ارتفاع سعر المادة وضعف القدرة الشرائية، بحسب نزار سعد الدين رئيس لجنة مربي الدواجن، والذي اقتصرت إجابته على التأكيد بأن العرض في هذا القطاع قابله قلة في الطلب على مدار أشهر نتيجة انخفاض الدخل مقارنة بسعر المادة لتتصدّر الخضراوات معظم أطباق المواطنين، لافتاً إلى أن انخفاض سعر الفروج الحالي كان له أثر سلبي كبير على المربين وأثر إيجابي محدود على المواطنين، ولم يُخفِ سعد الدين أن تأمين الأعلاف هو المشكلة الأبرز التي تواجه المربين، ولاسيّما مع عدم القدرة على تأمينها بكميات كافية وبسعر منخفض.
كذلك ألقى عمار بردان (مستورد أعلاف) اللوم على الحكومة ووصفها “بغير المكترثة” لواقع هذا القطاع، وعزفها دوماً على وتر سعر الصرف وارتفاع سعر العلف عالمياً وغيرها من الحجج التي يمكن أن تلتفّ حولها وتواجهها بحلول سليمة ترضي جميع الأطراف، ولفت بردان إلى أن هذا القطاع يعتبر ركناً أساسياً ومساهماً فعالاً في الاقتصاد المحلي في حال تمّ استثماره بالشكل الصحيح، إلّا أن الخطوات التي تتخذ في طريق هذا القطاع أودته للتهلكة، مشيراً إلى أن الحلّ الأمثل اليوم هو تقديم كامل الدعم للمستوردين، وإعطاء إجازات استيراد للعلف من جهة، خاصّة وأنه يشكل أكثر من 60% من إجمالي التكاليف، ناهيك عن أن 95% من أعلاف الدواجن مستوردة، إضافة إلى ضرورة توفير مستلزمات عمل المداجن صيفاً وشتاءً من جهة أخرى، وإلّا فنحن مقبلون على صيف حار سيودي بما تبقى من هذا القطاع!.
بيع القطعان
في المقابل كان لمربي القطعان رأي مخالف يشي بأن هذا الانخفاض السريع سيتبعه ارتفاع مخيف لسعر المادة، حيث بيّن مازن مارديني (عضو غرفة الزراعة) أن الانخفاض الوقتي سببه بيع الكثير من المربين لقطعانهم قبل نضوجها، وبالتالي لن يستمر الانخفاض كثيراً، لافتاً إلى أن ارتفاع سعر الفروج سببه ارتفاع سعر الصرف العام، فعلى الرغم من توجيه الحكومة لدعم قطاع الدواجن بتقديم تسهيلات لمستوردي الأعلاف والذرة والصويا جراء العمل بالمنصة، إلّا أن ارتفاع سعر الصرف أدى لحدوث فرق في كلّ طن بما يعادل 50-60 ألف ليرة “فرق السعر”، وهذا كان له أثر سلبي وعكسي على التربية، خاصّة وأن المربي في هذه الحالة أُجبر على بيع القطعان قبل نضوجها بسعر منخفض ووقوعهم في خسارة كبيرة، ولاسيما أن العرض كان أكثر من الطلب، وبالتالي فإن الحالة التي نمرّ بها مؤقتة.
مشكلات عالقة
ونفى مارديني تزايد عدد المربين، ولاسيّما أن أعدادهم في تناقص مستمر مع بدء كلّ دورة، وهذا الأمر يترك انعكاسات سلبية على القطاع العام. وانتقد عدم وجود قرارات ثابتة فيما يخصّ هذا القطاع وعدم النظر بمشكلاته على محمل الجد، فتسعيرة العلف غير المستقرة وعدم تأمين حوامل الطاقة في المداجن وغيرها من المستلزمات كانت ولا زالت مشكلات عالقة على مدار سنوات طويلة وهي بيد الجهات المعنية، مؤكداً أن الأيام القادمة ستشهد ارتفاعاً جديداً في سعر الفروج بعد خسائر المربين الحالية والتي هي كفيلة بخروج أعداد جديدة منهم عن العمل.
انكماش المعروض
في المقابل فنّد المستشار الفني في غرفة الزراعة مشكلات هذا القطاع بتوضيحه أن سعر مبيع الفروج والبيض تحكمهما بالدرجة الأولى قوى العرض والطلب، ففي الشهرين السابقين ازداد عدد مربي الفروج مدفوعاً بالأسعار المرتفعة التي تحققت خلال الـشهر الأربعة السابقة وهذا سمح بزيادة العرض، وترافق ذلك بزيادة توجّه المستهلكين لاستهلاك الخضار التي أصبحت وفيرة في الآونة الأخيرة وتقليل الاعتماد على استهلاك لحم الفروج، إضافة إلى الانخفاض النسبي بتكاليف إنتاج الفروج بفعل توفير جزء مهمّ من تكاليف التدفئة، وانحسار تكاليف معالجة أمراض الشتاء التي تصيب قطعان الفروج شتاء، لتساهم هذه العوامل مجتمعة بانخفاض سعر مبيع الفروج، أما بالنسبة لبيض المائدة فلا يزال القطاع يعمل في الحدّ الأدنى من طاقته الإنتاجية نتيجة التكاليف المالية الضخمة التي يستلزمها الإقلاع بدورات إنتاجية جديدة، إذ تبلغ قيمة ١٠ آلاف صوص دجاج بياض عمر يوم واحد قرابة ٧٠ مليون ليرة، إضافة إلى نحو ٥٠٠ مليون ليرة قيمة أعلاف ومستلزمات، وهذا الواقع أدى إلى انكماش حجم المعروض من بيض المائدة وتراجع بطيء في أسعاره، علماً أن أسعار بيض المائدة شهدت انخفاضات متتالية منذ الثلث الأخير من شهر نيسان.
ميس بركات