متى نستيقظ..؟!
غسان فطوم
مع تلاشي فيروس كورنا الذي أرعب العالم وحبس الناس في بيوتها، يبدو أن فكرة اعتماد التعليم عن بُعد التي طُرحت في ذاك الحين لم تعد تخطر على بال المعنيين في جامعاتنا ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وكأنها تلاشت مع تلاشي هذا المرض المرعب، رغم أن المستقبل هو للتعليم الإلكتروني، أو ما يُسمّى التعليم عن بعد، ففي الوقت الذي كنّا ننتظر فيه أن نشهد تحولاً في السياسات التعليمية بهدف مواكبة التطور التكنولوجي في العالم، لكن للأسف وحتى في عزّ تفشي الفيروس لم نلحظ ولا أية جامعة سورية أقامت محاضرات عبر الانترنت، إلا ما قلّ وندر وبالاعتماد على مبادرات فردية من بعض الأساتذة وعلى نطاق محدود! طبعاً الجامعة الافتراضية السورية مستثناة لأنها هي بالأساس قائمة على هذا النوع من التعليم.
مشكلتنا أننا لا نحسن التعلّم من التجارب الناجحة، لا محلياً ولا عالمياً، ليس فقط في مجال التعليم وإنما في مجالات وقطاعات أخرى، وإن جرّبنا فغالباً ما يكون ذلك أقرب للتقليد الأعمى الذي ينتهي بنتائج سلبية عديمة الفائدة!.
لا ندري متى يستيقظ أهل الشأن التعليمي ليدركوا أن التعليم الإلكتروني لم يعد خياراً، نقبل به أو لا، وإنما أصبح حقيقة واقعة وضرورة ملّحة في العملية التعليمية لتحسينها وجعلها أكثر مرونة وسلاسة، فاليوم لا يخفى عليهم حالة ملل الطلبة والشكوى من المناهج التقليدية التي تعتمد على الحفظ البصم بعيداً عن التفكير والإبداع، حيث تحوّلت أدمغتهم إلى حافظة لحشو معلومات “أكل الزمن عليها وشرب” كما يُقال!.
وحتى لا يُقال إننا نسرح ونشطح في ملكوت الخيال متناسين واقع جامعاتنا، وخاصة بعد /12/ سنة من الحرب، نعترف أنها لا تملك البنية التحتية اللازمة، فالطلبة وحتى الأساتذة يحتاجون للكثير من التأهيل والتدريب، عدا عن مشكلة الكهرباء وخدمات الانترنت الضعيفة التي لا تساعد الطالب في تطوير مهاراته بالتعامل مع التعليم الإلكتروني الذي يجده فعّالاً وممتعاً ويتوافق مع اهتماماته، في ظلّ هذا العالم الافتراضي الذي كسر القيود وعبر الحدود.
بالمختصر، على جامعاتنا، الحكومية منها والخاصة، أن تتفاعل وتتلاءم بمحتواها العلمي مع ما يحدث من تطورات، بمعنى إحداث تغييرات جدّية في أنماطها التعليمية وفصولها التقليدية المملّة بما يخدم اعتماد التعليم عن بُعد في جزء كبير من العملية التعليمية، فهي لا يمكن أن تبقى بعيدة أو خارج الثورة الرقمية التي باتت ذات تأثير بالغ في طرق وأساليب التعليم وبمخرجاته في سوق العمل الذي لم يعد يرضى إلا بشهادة جامعية ممهورة بخاتم القرن الـ21!!، قرن الفتوحات العلمية، فنحن اليوم بأمسّ الحاجة لخريجين يتمتّعون بمهارات فكرية عالية قادرة على ابتكار وإيجاد الحلول لمشكلاتنا بأسرع وقت، فقطار التكنولوجيا والثورة الرقمية، بل الذكاء الاصطناعي، لا ينتظر الجامعات التي تعتمد الأسلوب التقليدي في تعليمها، خاصة وأن هناك توقعات تقول “إن أي منتج سيظهر بعد اليوم، سيستمدّ شرعيته من اعتماده على الذكاء الاصطناعي”.