العمارة الجنائزية التدمرية ومعطياتها الاجتماعية
آصف إبراهيم
هناك العديد من الدراسات التي تناولت موضوع العمارة الجنائزية في تدمر، والتي ألقي الضوء عليها منذ عام 1917 وحتى الوقت الحاضر، وجميع هذه الدراسات أشارت ضمن تصنيفاتها إلى وجود أربعة نماذج للعمارة الجنائزية في تدمر متمثلة بالأبراج الجنائزية، والمدافن الأرضية، والمنزلية (المعابد)، وأخيراً القبور الفردية، وهنالك نوع آخر لم يلقَ كثيراً من الاهتمام، ربما بسبب قلة أمثلته أو نظراً لحالة الحفظ غير الجيدة وتواضع عمارته مقارنة مع الأنواع الأخرى، ولاسيما المدافن الأرضية منها التي استهوت الباحثين والمهتمين لغناها باللقى والقرابين الجنائزية، وهذا النوع هو المدافن الكهفية.
حول هذا الموضوع ألقى الدكتور خليل الحريري مدير متحف تدمر ومدير سابق لبعثة تنقيب أثرية محاضرة في قاعة سامي الدروبي بالمركز الثقافي العربي بحمص مساء أمس الأربعاء بدعوة من جمعية العاديات، قدّم فيها وصفاً وشرحاً لهندسة هذه المدافن المعمارية، التي أطلق عليها التدمريون الحاليون تسمية القصور، مرفقاً بالصور والمخططات التوضيحية.
رموز تلك الشواهد ومعانيها تتعلق بعالم الموت والمفاهيم المرتبطة به ومن أجل ذلك صنفت إلى عدة مجموعات بحسب ما حملته من نقوش وتصاوير. وعرفت الشواهد الجنائزية بالتدمرية باسم “نفش” وتعني الشخص أو الروح، أي أن الشاهدة كانت تمثيلاً للشخص المدفون، حيث كانت تغرس داخل مجموعة من القطع الحجرية الصغيرة تعلو القبر وعلى وجهها كتابة بالتدمرية تشير إلى الشخص المتوفى، بينما نجد شواهد أخرى تحتوي الوليمة الجنائزية التي تظهر فيها الأسرة التدمرية بجميع أفرادها.
من أقدم تلك المدافن هي البرجية التي ابتكرها المهندسون التدمريون واستُخدمت من قبل العائلات الكبيرة والغنية، ويعود تاريخ أغلبها إلى القرن الأول الميلادي، ولها صفات متقاربة من حيث الشكل، إذ تبدأ بقاعدة متدرجة يختلف ارتفاعها بين مدفن وآخر، يصل ارتفاع بعضها إلى نحو ٢٥م، وتتألف من طوابق عدة وقبو، ويصل فيما بينها معازب، وأغلبها أسّست من قبل أولاد وهب اللات.
كما تحدث الحريري عن أهم مقتنيات هذه المدافن والتي تشمل تماثيل حجرية ورسومات وتوابيت وسرج فخارية لإنارة المدافن، بالإضافة إلى الحلي البرونزية، وبقايا جماجم ومومياءات وغيرها. وقسّم الحريري معطيات هذه المدافن إلى معطيين، اقتصادي يحدّد الفوارق الطبقية في تدمر وانعكاس طريق التجارة على المدافن وتطورها، وآخر اجتماعي يقدّم معلومات عن حالة العائلة التدمرية والمستوى الاجتماعي ودور المرأة وأسماء العائلات وغيرها.