قمّة سورية في جدّة
طلال ياسر الزعبي
لا شك أن مشاركة سورية في القمّة العربية المنعقدة الآن في مدينة جدّة السعودية تحمل دلالاتٍ كثيرة على المستويين العربي والدولي، فالقمّة التي تشارك فيها سورية بعد غياب نحو اثني عشر عاماً عنها، ليست قمّة عادية على الإطلاق، إن كان ذلك على المستوى الإقليمي العربي أم على المستوى الدولي. فسورية التي كانت الغائب الحاضر في جميع القمم العربية السابقة، عادت من جديد لتؤدّي دورها الحضاري في صياغة تاريخ المنطقة بعد فترة من الزمن شهدت مجموعة من التحوّلات والتغيّرات الدولية التي ساهمت دمشق بشكل أو بآخر في صياغتها، عبر صمود أسطوري في وجه أعتى الهجمات الاستعمارية المغلّفة بطابع إرهابي، كان يمكن لها، لو نجحت في ذلك، أن تغيّر وجه المنطقة والعالم، بل ربّما لم يعُد هناك وجودٌ للدول العربية بشكلها الحالي، إذا ما تمكّنت الجماعات الإرهابية من السيطرة على الحكم في المنطقة، بالتوازي مع سيطرة شبه مطلقة للكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية على هذه الجماعات، حيث عملت على إدارتها وتسليحها ودعمها إعلامياً ولوجستياً طوال فترة الأحداث الماضية التي أطلق عليها زوراً تسمية “الربيع العربي” الذي تحوّل إلى خريف حسب أغلب المحللين والسياسيين العرب بالقياس إلى الخسائر التي تكبّدتها المنطقة العربية اقتصادياً وأمنياً وسياسياً، فضلاً عن حالة الفوضى التي شهدتها المنطقة ولا تزال في عدد من الدول العربية، ووصول العمل العربي المشترك إلى أدنى مستوياته، بل تقوقع بعض الدول على نفسها وانشغالها بأزماتها الداخلية، وبالتالي انحسار الاهتمام بالقضايا العربية المصيرية وعلى رأسها القضية المركزية للأمة العربية وهي قضيّة فلسطين لمصلحة صراعات جانبية لا طائل منها سوى الدمار والخراب. ولذلك فإن عودة سورية إلى الجامعة العربية، أو عودة العرب إلى دمشق، وأيّاً يكن من أمر هذا التعبير، تصبّ أولاً في خانة تصحيح مسار العلاقات العربية العربية وتعزيز مسيرة العمل العربي المشترك التي تمكّن العرب مجتمعين من مجابهة المخاطر التي تحدق بهم في عالم متقلّب وشديد التحوّلات، وفي مرحلة حساسة لا يقيم فيها الغرب وزناً إلا للتكتلات الاقتصادية القادرة على الصمود في وجه الزلزال العنيف الذي أحدثته السياسات الغربية الجائرة في العالم، وخاصة على مستوى أزمة الغذاء العالمية وقضية المناخ والأمن السيبراني وأمن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وقضايا الأمن الدولي. من هنا، شكّلت عودة سورية إلى اجتماعات جامعة الدول العربية علامة فارقة في تاريخ العمل العربي المشترك، حيث إن سورية العضو المؤسس لجامعة الدول العربية سعت طوال فترة وجودها في الجامعة إلى رأب الصدع وحل المشكلات العالقة، ولم تكن يوماً عائقاً في سبيل الوصول إلى حالة التضامن الشاملة بين الدول العربية، ولذلك جاءت سورية إلى قمّة جدّة تحت شعار واحد، هو طيّ صفحة الماضي والتطلّع إلى المستقبل، من أجل أن يصل العرب جميعاً إلى برّ الأمان في هذا العالم المتلاطم الأمواج، وخاصة أن العالم الآن يشهد ولادة نظام جديد متعدّد الأقطاب ستتغيّر بموجبه جميع التحالفات، ولابد أن يكون للعالم العربي مكان في هذا العالم الجديد بناء على ما تدّخره المنطقة العربية من طاقات بشرية وثروات ومكان جغرافي يؤهّلها لأن تكون واسطة العقد في العالم الجديد.