الرئيس الأسد أمام القمة العربية: علينا أن نبحث عن العناوين الكبرى التي تهدّد مستقبلنا وتنتج أزماتنا
جدّة – البعث
خلال الدقائق الخمس المقرّرة التي أكّد حرصه على الالتزام بها، أحاط السيد الرئيس بشار الأسد بمجمل القضايا التي ينبغي على القمّة العربية مناقشتها، مؤكّداً ضرورة معالجة الأسباب الرئيسية للعلل التي تعانيها المنطقة العربية دون الغرق بمعالجة النتائج.
وقال الرئيس الأسد في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمّة بدورته الــ32 في جدّة بالمملكة العربية السعودية: سمو الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودية أصحاب الجلالة والسيادة والسمو السيدات والسادة.. من أين يبدأ المرء حديثه والأخطار لم تعُد محدقة بل محقّقة.. يبدأ من الأمل الدافع للإنجاز والعمل، وعندما تتراكم العلل يمكن للطبيب أن يعالجها فُرادى شرط أن يعالج المرض الأساسي المسبّب لها.
وأضاف الرئيس الأسد: فإذاً علينا أن نبحث عن العناوين الكبرى التي تهدّد مستقبلنا وتنتج أزماتنا كي لا نغرق ونغرق الأجيال القادمة بمعالجة النتائج لا الأسباب، والتهديدات فيها مخاطر وفيها فرص، ونحن اليوم أمام فرصة تبدّل الوضع الدولي الذي يتبدّى بعالم متعدّد الأقطاب كنتيجة لهيمنة الغرب المجرد من المبادئ والأخلاق والأصدقاء والشركاء.. هي فرصة تاريخية لإعادة ترتيب شؤوننا بأقل قدر من التدخل الأجنبي وهو ما يتطلب إعادة تموضعنا في هذا العالم الذي يتكوّن اليوم كي نكون جزءاً فاعلاً فيه مستثمرين في الأجواء الإيجابية الناشئة عن المصالحات التي سبقت القمّة وصولاً إليها اليوم.
وأكد الرئيس الأسد أن القمّة “فرصة لترسيخ ثقافتنا في مواجهة الذوبان القادم مع الليبرالية الحديثة التي تستهدف الانتماءات الفطرية للإنسان وتجرّده من أخلاقه وهويته.. ولتعريف هويتنا العربية ببعدها الحضاري وهي تتهم زوراً بالعرقية والشوفينية بهدف جعلها في حالة صراع مع المكوّنات الطبيعية القومية والعرقية والدينية فتموت معها مجتمعاتنا بصراعها مع ذاتها لا مع غيرها”.
وبيّن الرئيس الأسد أن “العناوين كثيرة لا تتسع لها كلمات ولا تكفيها قمم.. لا تبدأ عند جرائم الكيان الصهيوني المنبوذ عربياً بحق الشعب الفلسطيني المقاوم، ولا تنتهي عند خطر الفكر العثماني التوسّعي المطعّم بنهكة إخوانية منحرفة، ولا تنفصل عن تحدّي التنمية كأولوية قصوى لمجتمعاتنا النامية.. هنا يأتي دور جامعة الدول العربية باعتبارها المنصّة الطبيعية لمناقشة القضايا المختلفة ومعالجتها شرط تطوير منظومة عملها عبر مراجعة الميثاق والنظام الداخلي وتطوير آلياتها كي تتماشى مع العصر.. فالعمل العربي المشترك بحاجة إلى رؤى واستراتيجيات وأهداف مشتركة نحوّلها لاحقاً إلى خطط تنفيذية.. بحاجة إلى سياسة موحّدة ومبادئ ثابتة وآليات وضوابط واضحة عندها سننتقل من ردّ الفعل إلى استباق الأحداث وستكون الجامعة متنفّساً في حالة الحصار لا شريكاً به.. ملجأ من العدوان لا منصّة له”.
وأضاف الرئيس الأسد: “أما عن القضايا التي تشغلنا يومياً من ليبيا إلى سورية مروراً باليمن والسودان وغيرها من القضايا الكثيرة في مناطق مختلفة، فلا يمكننا معالجة الأمراض عبر معالجة الأعراض، فكل تلك القضايا هي نتائج لعناوين أكبر لم تعالج سابقاً.. أما الحديث في بعضها فهو بحاجة إلى معالجة التصدّعات التي نشأت على الساحة العربية خلال عقد مضى واستعادة الجامعة لدورها كمرمّم للجروح لا كمعمّق لها، والأهم هو ترك القضايا الداخلية لشعوبها فهي قادرة على تدبير شؤونها، وما علينا إلا أن نمنع التدخلات الخارجية في بلدانها ونساعدها عند الطلب حصراً، أما سورية فماضيها وحاضرها ومستقبلها هو العروبة، لكنها عروبة الانتماء لا عروبة الأحضان، فالأحضان عابرة أما الانتماء فدائم، وربما ينتقل الإنسان من حضن إلى آخر لسبب ما، لكنّه لا يغيّر انتماءه، أما مَن يغيّره فهو من دون انتماء من الأساس ومن يقع في القلب لا يقبع في الحضن، وسورية قلب العروبة وفي قلبها”.
وتابع الرئيس الأسد: نحن نعقد هذه القمّة في عالم مضطرب، فإن الأمل يرتفع في ظل التقارب العربي العربي والعربي الإقليمي والدولي الذي توّج بهذه القمة والتي أتمنى أن تشكّل بداية مرحلة جديدة للعمل العربي للتضامن فيما بيننا للسلام في منطقتنا للتنمية والازدهار بدلاً من الحرب والدمار.
وختم الرئيس الأسد بالقول: “التزاماً بالدقائق الخمس المخصّصة للكلمات أتوجّه بالشكر العميق لرؤساء الوفود الذين عبّروا عن المودة المتأصّلة تجاه سورية وأبادلهم بالمثل، كما أشكر خادم الحرمين الشريفين على الدور الكبير الذي قام به والجهود المكثفة التي بذلها لتعزيز المصالحة في منطقتنا ولإنجاح هذه القمّة، وأتمنى له ولسمو ولي العهد وللشعب السعودي الشقيق دوام التقدم والازدهار والسلام عليكم ورحمه الله”.