قمّة جدة تبدأ اليوم.. الرهانات الكبرى
جدّة – البعث
وصل السيد الرئيس بشار الأسد مساء أمس إلى مدينة جدة السعودية للمشاركة في الدورة الثانية والثلاثين للقمة العربية.
ولن تكون مشاركة الرئيس الأسد الحدث الأهم في القمة فحسب، بل المؤشر الأبرز على ترجمة المناخات الجديدة العربية العربية، وعلامة على اللحظة الجيوسياسية الجديدة التي تعيشها المنطقة في المرحلة الراهنة، والتي تعيد إلى الأذهان لحظة عام 2000، مطلع هذا القرن، حينما صعد إلى الحكم جيل عربي شاب حاملاً معه الكثير من الآمال والوعود قبل أن تُجهض الولايات المتحدة الأمريكية كل هذه الآمال بإعلانها حربها التي لا تنتهي على الإرهاب.
وسيكون الرئيس الأسد في جدّة في ضيافة أشقاء لم يجتمع بهم، حقاً، منذ سنوات طويلة، ولكنّه بالتأكيد يعرفهم حق المعرفة، فالاختراق الكبير الذي شهدته العلاقات السورية السعودية خلال الفترة القصيرة الماضية، والإيقاع السريع لتطوّر علاقات البلدين، إنما جاء حصيلة “كيمياء خاصة”، وعملية تواصل طويلة بدأت منذ فترة ليست بالقليلة، ولكنها لم تخرج إلى العلن، وبقوة، إلا مع التحضيرات التي مهّدت لانعقاد القمة، وهو ما يفسّر المرونة السورية في التعاطي مع الكثير من التفاصيل التي خرجت من اجتماعات محدّدة، خارج المملكة، على شاكلة سياسة “الخطوة خطوة” المثيرة للسخرية، التي تغاضت سورية عنها إيماناً منها بضرورة دعم الجهود والمبادرات الخيّرة التي تقودها السعودية، معتبرة أن ذلك جزء من مساهمتها الخاصة بإنجاح أعمال القمّة.
والواضح أن سورية تراهن في ذلك على دور المملكة الجديد، وعلى التحوّلات التي أحدثها سموّ ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، الذي سيترأس القمّة، وعلى الثقة الشخصية المتبادلة بين الرئيس الأسد وبين ولي العهد الشاب، التي نمت بعيداً عن الأضواء طوال المرحلة الماضية.
ويجري الحديث هنا همساً عن إحياء التحالف السوري السعودي، وعن قاطرة سورية سعودية، وعن شراكة سياسية اقتصادية للمرحلة القادمة، انطلاقاً من اهتمام المملكة بلعب دور اقتصادي على صعيد المنطقة كلها، ومن قناعة مستجدّة بأن صمود سورية، والرئيس الأسد شخصياً، مكّن، طوال أكثر من عقد، من الإمساك بالمنطقة عند “النقطة الصفر” التي حالت دون “الانهيار الكامل والشامل”، فقد فتح الغياب القسري السوري أبواب المنطقة على مصراعيها للتدخلات الأجنبية وإضعاف العالم العربي وتهميش قراره، ووحْده هذا الصمود لجم موجة الارتدادات الكارثية والمخيفة لـ”جحيم عربي” كان مقرّراً أن يمضي إلى نهاياته في بقية الدول العربية.. لقد تحوّلت الحرب على سورية، بنظر الجميع، إلى درس قاسٍ ينبغي استيعابه بكل حيثياته، وتحوّلت الاتهامات السابقة إلى اعتراف بالصلابة والصمود والقدرة السورية على قراءة الواقع بتفاصيله المعقدة، واستشراف نتائجه الوخيمة على المنطقة كلها، وفي وقت مبكر، وبأن الوقت حان اليوم للإصلاح، وخاصة على صعيد آليات عمل الجامعة العربية، ونظام التصويت الذي كبّل العمل العربي وأتاح إمكانية تدخّل القوى الخارجية في عمل الجامعة طوال السنوات الماضية، وأن يكون قرار المنطقة بيد أبنائها.
تريد السعودية للقمّة أن تكون فاتحة مرحلة “تصفير الأزمات”، بعد الاتفاق مع إيران، وما رافقه من عمليات تهدئة إقليمية، ومن ثم التوجّه كلياً نحو المشروعات الكبرى التي ستجمع العرب في إطار تكتل اقتصادي إقليمي له ثقله على الخريطة العالمية.
ويراهن السعوديون على أن تكون القمّة محورية من حيث النتائج، وخاصة في إطار سعي الرياض للمّ الشمل العربي، وصياغة رؤية جماعية تستفيد من أخطاء السنوات الماضية، وتعيد بلورة آليات العمل العربي المشترك في ظل الاستقطابات الدولية الحاصلة.