المخابرات المركزية يد أمريكا السوداء
عناية ناصر
أصدر المركز الوطني للاستجابة لحالات الطوارئ لفيروسات الكمبيوتر في الصين، وشركة الأمن السيبراني مؤخراً 360 تحقيقاً مشتركاً، كشفوا فيها عن الاستخدام طويل الأمد للهجمات السيبرانية من قبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ضد دول أخرى.
على الرغم من أن مثل هذه التحقيقات تجعل الأمريكيين على دراية واطلاع على ما يجري حول العالم، إلا أن هوس وكالة المخابرات المركزية وقدرتها على خلق الاضطرابات تزعجهم بشكل كبير. وبحسب التقرير، فقد حرّضت وكالة المخابرات المركزية على “الثورات الملونة” حول العالم من خلال تبني الأساليب التكنولوجية، ويتضمن ذلك تقنية غير تقليدية لتغيير النظام تسمّى “الحشود ” المتعلقة بتوفير أدوات في الموقع لإدارة التجمعات، والمظاهر القائمة على الإنترنت، والاتصالات اللاسلكية. ومن خلال هذه التقنية، التي طورتها مؤسسة “راند” الأمريكية، من الممكن جمع حشود من الشباب عبر الإنترنت في الوقت المناسب وفي المكان المناسب، وتحسين فعالية إدارة الاحتجاج. إن ذلك الأمر يظهر أن تقنيات وكالة المخابرات المركزية تتطور باستمرار استجابة للبيئات المتغيرة، وبناءً على ذلك كيف يمكن أن يكون العالم مسالماً عندما تكون هذه الأدوات الحديثة في أيدي وكالة المخابرات المركزية التي لها تقليد في “الكذب والغش والسرقة”؟.
كانت وكالة المخابرات المركزية منذ إنشائها عام 1947، موجودة كسلاح لحرب واشنطن السياسية تجاه أهداف أجنبية، ووفقاً للإحصاءات، أطاحت وكالة المخابرات المركزية، أو حاولت الإطاحة بما لا يقلّ عن 50 حكومة شرعية لدول أخرى على مدى عقود، على الرغم من أنها تعترف بسبع حالات فقط.
كانت أسرار التلاعب والتخطيط السري لوكالة المخابرات المركزية مكشوفة وراء “الثورة البرتقالية”، و”ثورة الكرامة” في أوكرانيا، و”ثورة عباد الشمس” في جزيرة تايوان الصينية، و”ثورة الزعفران” في ميانمار، ولم يكن ما ورد في التقرير سوى غيض من فيض العمليات السرية لوكالة المخابرات المركزية. تؤكد هذه الأنشطة مرة أخرى على لقب الولايات المتحدة بوصفها “أكبر مصدر للفوضى في العالم”، في حين أن وكالة المخابرات المركزية هي اليد السوداء التي تعبث بالعالم للحفاظ على الهيمنة الأمريكية، فأينما ذهبت وكالة المخابرات المركزية سيحلّ الخراب والفوضى، فوكالة المخابرات المركزية ليست وكالة استخبارات فحسب، بل هي أيضاً أداة للولايات المتحدة للتحريض على “التطور السلمي”، و”الثورة الملونة”، وحتى لتحقيق تغيير النظام من خلال العنف، فهي مثل حقنة مليئة بالفيروسات، تطعن البلدان بصمت بإبرة مخفية، وتترك جرحاً نازفاً. ولذلك تحتاج جميع البلدان الأخرى إلى أن تكون في أعلى مستوى من التأهب لعمليات وكالة المخابرات المركزية في جميع الأوقات، لأنه إذا وصلت إلى طريقها، فمن المحتمل أن تكون العواقب وخيمة.
أطلقت الولايات المتحدة على مرّ السنين “ثورات ملونة” عبر وكالة المخابرات المركزية حول العالم، غير مهتمة بمدى الاضطرابات الاجتماعية التي تسبّبها، ولا تعر أي اهتمام للثمن الذي يدفعه السكان المحليون، وغضّ النظر عن عدد الأشخاص الذين يموتون، فهو مجرد رقم لواشنطن، ناهيك عن الأضرار الأخرى. وكل ما تهتمّ به الولايات المتحدة هو ما إذا كان الشخص الذي سيصل إلى السلطة هو دمية تخضع لأوامر الولايات المتحدة.
يدرك الجميع أن لكل دولة ظروفها الوطنية ومنطقها التنموي، كما أن آلية توليد القوة وتشغيلها لها خصائصها الخاصة، فالولايات المتحدة، بمساعدة الأعمال غير القانونية الخفية الضخمة، والمال الأسود وغيرها من الوسائل، تشوّه بشكل مصطنع المنطق الداخلي للدول الأخرى، وتدمر القوانين والإيقاعات السياسية الطبيعية، وتتدخل بشكل صريح في شؤونها الداخلية.
لم تجلب مثل هذه الأعمال سوى الخراب والدمار لسورية، وإراقة الدماء في ساحة المعركة الأوكرانية، ومأساة العديد من البلدان الأخرى. وكل ذلك بسبب الحقيقة التي لا يمكن إنكارها، وهي أن المجتمع الدولي ليس موحداً دائماً ضد وكالة المخابرات المركزية التي تستخدم كل الوسائل الممكنة لتحقيق أهدافها، وتتجاهل سيادة الدول الأخرى. ولهذا السبب على وجه التحديد، أتيحت لوكالة المخابرات المركزية الفرص والظروف للتدخل في كل مكان، ولم يتم تقييدها بشكل فعال. واستناداً إلى ذلك لا يجب التعود على الأفعال الشائنة التي تقوم بها وكالة المخابرات المركزية، وعلى المجتمع الدولي أن يقاوم بشكل جماعي الأعمال غير القانونية للولايات المتحدة في انتهاك خصوصية المواطنين، والشركات وأسرار الدول الأخرى لجعل العالم مكاناً أفضل وأكثر سلاماً.
لا تجرؤ بعض الدول على قول “لا” للولايات المتحدة، حتى لو كان ذلك يعني التسامح مع السلوكيات غير القانونية والقسرية وغير الأخلاقية للولايات المتحدة، لدرجة أن بعض البلدان طورت “متلازمة ستوكهولم” في ظل الهيمنة الأمريكية طويلة المدى. ويمكن رؤية ذلك بوضوح من خلال أقوال وأفعال بعض رؤساء الدول خلال زياراتهم الأخيرة للولايات المتحدة. علاوة على ذلك، فإن بعض البلدان، مثل تحالف دول “العيون الخمس” واليابان، التي تتوق لأن تصبح “العين السادسة”، عملوا كشركاء مع وكالة المخابرات المركزية، بسبب أنانيتها ودوافعها الخفية. وكل هذه الدول تتحمل درجات متفاوتة من المسؤولية التي لا يمكن التنصل منها عن الجرائم التي ارتكبتها وكالة المخابرات المركزية.
مما لا شك فيه أن الصين هي الآن واحدة من أكبر أهداف وكالة المخابرات المركزية، لذلك، فإن بعض الدول استخدمت حيلاً تافهة تتمثل في “قيادة الكارثة إلى الشرق”، معتقدةً أنه إذا استهدفت وكالة المخابرات المركزية، وهي بيدق الهيمنة الأمريكية، الصين بدقة، فإنها ستتجنّب التعرض للأذى، لكن هذه نظرة ساذجة للغاية، وسيعلمهم الواقع بالتأكيد درساً.
لقد أصبحت الصين القوة الرئيسية في حماية العدل والعدالة والقواعد الدولية، وقيام وكالة المخابرات المركزية باستخدام وسائل رخيصة قد يخدع بعض الناس على المدى القصير، لكن ليس على المدى الطويل. وسيؤدي الانهيار النهائي للأخلاق السياسية الأمريكية إلى نتائج عكسية، وبالتالي إلى فشل ذريع لوكالة المخابرات المركزية.