النادي السينمائي يناقش فيلم “الطريق” بين الرمزية والسردية
ملده شويكاني
“علمتني الرياضيات أن بعض الكسور لا تجبر” لا تتبع هذه المقولة للرياضيات فقط، وإنما للحياة أيضاً، وهذا ما أراده المخرج عبد اللطيف عبد الحميد في فيلمه “الطريق” –إنتاج المؤسسة العامة للسينما- المحمّل بالكثير من الرسائل الإنسانية والتربوية، والذي عُرض في جلسة النادي السينمائي لمؤسسة أحفاد عشتار في سينما الكندي بإشراف المخرج وليم عبد الله.
هوية سينمائية
يعبّر الفيلم عامة عن هوية عبد اللطيف عبد الحميد السينمائية من حيث بساطة الصورة والرمزية والحمولات الفكرية والثقافية وحسّ الفكاهة والخط العاطفي، إضافة إلى التركيز على جمالية المنطقة الجغرافية الخضراء الساحرة، إذ اختار طريقاً ضيقة منعطفة تفصل بين بساتين جبلية خضراء في إحدى ضيع دريكيش القريبة من طرطوس، يفصح عن اسمها في المشهد الأخير، وهي عين سرور. لتبقى تعرجات الطريق البطل الرئيس بالفيلم، الحاملة لكل الشخصيات باختلاف تياراتها وانتماءاتها، فكانت شريكة فعلية لبطلي الفيلم الجد “صالح” الأستاذ الجامعي المتقاعد موفق الأحمد، والحفيد “صالح- غيث ضاهر” الذي توفيت والدته فأرضعته أم جميل، وبعد ثلاث عشرة سنة يعود ليعيش مع جده في منزله الحجري، مبتعداً عن ظلم زوجة أبيه في رميلان..
الجد والحفيد
يظهر الفيلم العلاقة الوجدانية الحميمة بين الجد والحفيد، ويضع المخرج المشاهدين مباشرة أمام الحدث الرئيسي حينما يعود صالح من المدرسة يحمل رسالة لجده من إدارة مدرسة الفارابي، فتبدو علائم الحزن والغضب على الجد، لكنه سرعان ما يبتسم ويقنع حفيده بأنه عبقري وأن المدرسة تعلمه بأنه يجب أن يتلقى دروسه لدى أساتذة أفضل، ومن هنا تبدأ قصة الفيلم فيبني الجد صفاً خاصاً لحفيده ويرفع العلم السوري فوق مدرسته الصغيرة ويبدأ معه الدروس ويستعين بأساتذة للفيزياء والرياضيات ومن ثم الموسيقا بناء على طلب صالح.
ويتوازى الخط التعليمي بالمدرسة المبنيّ على أسس تربوية صحيحة تعتمد على الفهم والاستيعاب والبعد عن التلقين وتعزيز قدرات الطالب مع خط الطريق، إذ يطلب الجد من حفيده أن يراقب الطريق ويدوّن كل ما يشاهده، ومن ثم يقوم بالتصحيح النحوي والإملائي له ويشجعه على إتقان فنّ السردية.
الطريق والشخصيات
ومن خلال هذين الخطين يعبّر عبد اللطيف عبد الحميد عن رسالته التعليمية، وتمضي الأحداث بوتيرة واحدة وإيقاع بطيء ومكرر لبعض الشخصيات، فالمخرج وظّف الطريق ليعرض نماذج شخصياته المساندة والمحمّلة برسائله المبطنة عبْر رمزيته السينمائية، ففي كل يوم يتابع مجموعة من الرجال طريقهم يحملون عصاهم ويذهبون، ليعودوا بثياب متسخة منهكين من الضرب والمشاجرات مع طرف آخر لم يكشف عنه، ويظهر فوج آخر بثيابهم النظيفة يستعرضون ابتساماتهم ويصفقون، وتمر زوجة أحد رجال الضيعة تصرخ وتبكي، وتقول: “باع الأرض ليتزوج مرة ثانية”.
الحامل الشعري والثقافي
وعلى الطريق تظهر شخصية المثقف في أفلام عبد الحميد، فيمرّ أيضاً الشاعر الذي يتبارى مع الجد بحفظ الشعر والمناظرات بينهما، فيقحم المخرج الحامل الثقافي الشعري ويتغنى بأشعار امرؤ القيس:
مكر مفر مقبل مدبر معاً
كجلمود صخر حطه السيل من عل
وبأشعار عنترة وسعيد عقل ويتوقف عند الشاعر “عمر أبو ريشة” الدبلوماسي سفير سورية لدى الولايات المتحدة الأمريكية في عهد جون كيندي.
كما يمرّ الرجل المريض المزارع القارئ الذي يتغنى بإله بعل وكنعان. ويتطرق الجد إلى السمات الجمالية للغة العربية الفصحى. ويبقى للقاءات العاطفية السريعة بين صالح وصديقته بالمدرسة “إلهام- رند عباس” في الطريق والبستان وهي تقدم له رغيف الخبز سحرها الخاص، الذي يشدّ المشاهد إلى براءة حب اليافعين، إلا أن “إلهام” تكتشف سر “صالح” الذي لاي عرفه وتغضب منه لأنه كذب عليها.
يفعّل المخرج الأحداث بإثارة حزن صالح من موقف إلهام المفاجئ ويستعين بانسدال الأمطار لتكثيف الحالة الشعورية الرومانسية والحزينة.
الراوي والأحداث
ويدخل الجد بتقنية الراوي للأحداث “ليعلم المشاهد عن مصير صالح الذي نجح بتفوق بالثانوية وأوفد إلى أوروبا لدراسة طب الأعصاب” مازال صالح هناك، ومازلتُ أنتظره”
التدريب على الوهم
وفي المشاهد الأخيرة يعود “صالح” إلى الضيعة ليقيم مركزاً طبياً، وفي حفل استقبال أهالي الضيعة يكشف الجد سر صالح مستحضراً قصة آديسون، وقصة أسرار الإنجاز والتدريب على الوهم. أما دفتر “صالح” فيصبح رواية وثّقت حياة سكان الضيعة وحملت الاسم ذاته “الطريق”.
ربط العلم بالحياة
وبعد العرض ناقش جمهور النادي السينمائي مع المخرج وليم عبد الله مجريات الفيلم، فتحدث عن فكرة ربط العلم بالحياة، وعن فكرة الرجعية وعدم التطور وبالمقابل الصورة الثانية لمتبني الشعارات، وأثنى على جمالية الصورة التي يتصف بها عبد اللطيف عبد الحميد، وتطرق إلى سردية اليوميات وتوظيفها ضمن الفيلم. كما تحدث عن الجوائز التي حصل عليها الفيلم في مهرجان قرطاج، إذ فاز بجائزة الجمهور، وجائزة أفضل ممثل للقدير موفق الأحمد، وأشاد بالسيناريو الذي كتبه عادل محمود بالتشارك مع المخرج. وتوقف عند بعض السلوكيات التي عرضها الفيلم مثل الاختلاف بين الشخصية الإيجابية والشخصية النكدية.
التأثير العاطفي
تعدّدت آراء الجمهور، فأشاد بعضهم بالتأثير العاطفي للجد، وبالأداء التمثيلي البارع لليافعين غيث ضاهر ورند عباس، وتحدث آخرون عن رمزية الخبز إلى الحياة (الخبز أقدم من الحب) ولم تخلُ الآراء من بعض السلبيات مثل المبالغة بالفكرة والنتيجة، ورتابة الأحداث.