تقرير يفضح أعداد ضحايا الحروب الأمريكية
سمر سامي السمارة
وفقاً لتقرير نشرته مؤخراً مؤسسة “مشروع تكلفة الحرب” في معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة بجامعة براون، وهي مؤسسة أكاديمية بارزة تدرس تكاليف وخسائر وعواقب الحروب التي اسُتخدمت فيها القنابل الأمريكية، أن الحروب الأمريكية عقب 11 أيلول أدت إلى مقتل أكثر من 4.5 ملايين شخص.
من المؤكد، أن هناك قصة أكبر من مسألة الحرب على الإرهاب، وهي تحتاج إلى السرد الصحيح. هذه القصة لا تتعلق فقط بالتكلفة المادية الفادحة، وإنما بالتكلفة الأكثر فداحة، حيث قتل كنتيجة مباشرة لحروب ما بعد 11 أيلول نحو مليون شخص، وشرد 38 مليوناً آخرون. أما البقعة الجغرافية التي شهدت معارك الحرب على الإرهاب، فلم تقتصر على أفغانستان والعراق والصومال وسورية وباكستان، بل امتدت إلى 85 دولة، من بينها اليمن وليبيا ومالي والنيجر وكينيا والفلبين، ضمن عشرات الدول الأخرى. والدول التي عانت أكثر من غيرها نتيجة الحروب الأمريكية على الإرهاب، كانت العراق وأفغانستان وسورية واليمن، لكن هذه المعاناة من المستحيل تحويلها لأرقام فيما يتعلق بالتكلفة البشرية والمادية، فأي أعداد تقديرية ستكون بالتأكيد أقل من الأعداد الحقيقية، فإحصاء عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم نتيجة الصواريخ والقنابل والرصاص والعربات المفخخة والعنف، لا يشمل كما تقول ستيفانى سافيل، عالمة أنثروبولوجيا العسكرة والأمن في جامعة براون الأمريكية، والمديرة المشاركة في مشروع “تكلفة الحرب”، كلّ الآثار الارتدادية للحرب.
في العراق وسورية واليمن وأفغانستان، فقد السكان مجتمعاتهم ووظائفهم، ولم تعد لديهم وسيلة لكسب لقمة العيش، وبالتالي بدأت موجات الهجرة والنزوح الجماعي نتيجة قصف البنية التحتية، وتدميرها بالكامل كما جرى في العراق واليمن وأفغانستان، حيث لقي مئات الآلاف حتفهم، بسبب القصف صاروخي أو العربات المفخخة، ونقص الغذاء، وانعدام الرعاية الصحية.
قدّرت الأمم المتحدة، أنه مقابل كل حالة وفاة مباشرة في حروب ما بعد 11 أيلول، هناك ما لا يقلّ عن ثلاثة أشخاص لقوا حتفهم بشكل غير مباشر نتيجة الحرب. أي أن الرقم الأكثر واقعية لضحايا الحرب على الإرهاب، هو نحو مليونين و787 ألف شخص.
ويُظهر التقرير أيضاً كيف يستمر الموت بعد الحرب من خلال فحص الأشخاص الذين قتلوا بشكل غير مباشر بسبب الحرب على الإرهاب في أفغانستان والعراق وليبيا وباكستان والصومال وسورية واليمن.
وفي هذا السياق، تقول ستيفاني سافيل في بيانها: “في مكان مثل أفغانستان، يتمثل السؤال الملح فيما إذا كان يمكن اعتبار أي حالة وفاة اليوم غير مرتبطة بالحرب، غالباً ما تقتل الحروب عدداً أكبر بكثير من الناس بشكل غير مباشر مقارنة بالقتال المباشر، وخاصة الأطفال الصغار”.
ويتناول التقرير الأبحاث الأخيرة لفحص المسارات السببية التي أدت إلى ما يقدّر بنحو 3.6-3.7 ملايين حالة وفاة غير مباشرة ما بعد 11 أيلول، ففي حين أن العدد الإجمالي للضحايا في مناطق الحرب هذه يمكن أن يكون على الأقل 4.5- 4.6 ملايين والعدد في ازدياد، إلا أن الرقم الدقيق للضحايا لا يزال غير معروف.
وبحسب صحيفة واشنطن بوست التي نشرت أول تقرير عن التحليل فإنه منذ عام 2010، احتفظ فريق مكوّن من 50 باحثاً وخبيراً قانونياً وناشطاً في مجال حقوق الإنسان وطبيباً مشاركاً في مشروع تكلفة الحرب بحساباتهم الخاصة. ووفقاً لآخر تقدير قدموه، لقي أكثر من 906 آلاف شخص، من بينهم 387 ألف مدني، مصرعهم مباشرة بعد حروب 11 أيلول، كما نزح 38 مليون شخص آخر أو تحولوا إلى لاجئين، وأن الحكومة الفيدرالية الأمريكية، في غضون ذلك، أنفقت أكثر من 8 تريليونات دولار على هذه الحروب.
لكن سافيل تؤكد أن عدد الضحايا أكثر من الأرقام التي ذكرها الفريق، وخاصة الأطفال والسكان الأكثر فقراً وتهميشاً، الذين قُتلوا بسبب آثار الحرب كالفقر المتزايد، وانعدام الأمن الغذائي، والتلوث البيئي، وصدمة العنف المستمرة، وتدمير الصحة، والبنية التحتية العامة، إلى جانب فقدان الملكية الخاصة وسبل العيش.
وتوضح ستيفانى سافيل إن إحدى “الخرافات الكبرى” في أمريكا تركز على الجنود الأمريكيين الذين يموتون، وكأن هذا هو كل تكلفة الحرب، لكن ما تعنيه الحرب حقاً هو أن المدنيين في مناطق النزاع يموتون أو يعيشون معاناة لا تنتهي، حيث يعيشون مع الصدمات لبقية حياتهم، بينما يعاني الأطفال من عيوب خلقية بسبب التلوث البيئي، وهذا كله جزء من التأثيرات الارتدادية للحروب التي لا تعدّ ولا تحصى.
هذه قصة مروعة جداً وهناك العديد من القصص المأساوية من هذا القبيل، إنها الآثار الارتدادية للحروب، والتي سيشعر بها الناس لعقود قادمة، لأن المدنيين الذين يعيشون في مناطق الحروب هم في الحقيقة الذين يتحمّلون وطأة الحروب التي تقودها الولايات المتحدة. وهذه هي الأماكن التي تتسبّب فيها الحروب بأكبر قدر من الدمار. وللأسف، لا يدرك الأمريكيون العاديون ذلك دائماً، لأنه بينما يركز البنتاغون على الضحايا من أفراد الجيش الأمريكي، يتم استخدام مصادر من الأمم المتحدة حول أرقام الضحايا المدنيين، إضافة إلى مصادر متنوعة منها الإعلام والمنظمات الحقوقية. لذا فإن الأمر يتعلق بجمع الأرقام من مصادر مختلفة واستخدام التواريخ الصحيحة، للوقوف على صورة أقرب للواقع، فهناك حافز سياسي كبير لدى البنتاغون لتقليل عدد الضحايا المدنيين.
وفي السياق نفسه، وجدت إحدى الدراسات التي أجريت عام 2012 أن أكثر من نصف الأطفال المولودين في مدينة الفلوجة في العراق بين عامي 2007 و 2010 يعانون من عيوب خلقية، كما وجدت أنه من بين النساء الحوامل اللواتي شملهن الاستطلاع في الدراسة، تعرّض ما يزيد على 45٪ منهن للإجهاض في فترة السنتين التي أعقبت الهجمات الأمريكية على الفلوجة عام 2004.
تقول سافيل: “تتحمل الولايات المتحدة المسؤولية على ما يؤثر على صحة السكان، ويتعيّن على الإدارة الأمريكية، تقديم المزيد من الالتزام من خلال الاستثمار في مجال المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار في مناطق الحروب ما بعد 11 أيلول، ويمكن للإدارة الأمريكية أن تفعل أكثر بكثير مما تقوم به حالياً للتعامل مع هذه المسؤولية”.