تعويل على تفعيل منطقة التجارة الحرة العربية.. عودة الاستثمارات يتطلب تفعيل مجالس الأعمال السورية العربية
دمشق – مادلين جليس
ثمة تعويل على ما أحرز من تقدم على صعيد استكمال متطلبات منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى خلال اجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي لجامعة الدول العربية على مستوى الوزراء مؤخراً في مدينة جدة السعودية، لاسيما إذا ما علمنا أن هذه المنطقة من أهم المشاريع التي طرحتها جامعة الدول العربية ممثلة بأمانتها العامة، وفقاً لما أكده الخبير الاقتصادي الدكتور حيان سلمان، والذي أشار إلى عدة نقاط أساسية جراء تفعيل هذه المنطقة يتصدرها زيادة مستوى التكامل العربي بين الدول العربية البالغة 22 دولة على أن تنتقل السلع والخدمات بينها بكل حرية وبدون قيود، وقد تم البدء بهذه المنطقة من خلال التخفيض التدريجي للرسوم الجمركية وبما يتناسب مع كل دولة من دول الجامعة الدول العربية.
أما النقطة الثانية – بحسب سلمان – فهي انسياب الرساميل والخدمات بين الدول العربية وتحويلها إلى سوق واحدة، وهذا برأيه ينعكس بفوائد كبيرة على هذه الدول، تتجلى هذه الفوائد في تأمين التكامل التجاري، وفي تجاوز الفجوة الغذائية التي بلغت قيمتها لعام 2022 بحوالي 44 مليار دولار، وأيضاً ترشيد المستوردات من الخارج وزيادة الصادرات، إضافة إلى زيادة التجارة البينية أي التجارة بين الدول العربية خاصة على مستوى التجارة الخارجية التي تضم كلاً من الصادرات والواردات، والتي لاتزال تتراوح بين 11و 13% من إجمالي التجارة العربية مع العالم الخارجي.
تكامل سلعي
وفي سبيل ذلك، لابدّ من العمل على استغلال الموارد المتاحة لتحقيق التكامل السلعي، على أن تقوم دول الوطن العربي بإنتاج المزايا المحققة عندها وهي المزايا النسبية وتحويلها إلى مزايا تنافسية في السوقين الداخلية والخارجية.
الحديث عن استغلال الموارد وتنشيط التجارة يتبعه حتماً تخفيض تكاليف تأمين السلع والخدمات، الذي يعزوه سلمان إلى تكامل الأسواق العربية وقربها من بعضها البعض بحيث تستفيد من التموضع الجغرافي سواء في شرق الوطن العربي أو غربه، وبما يؤمن تقليل الاعتماد على الخارج والعمل على الاستثمار الأمثل للموارد المتاحة، خاصة أن 55% من احتياطي النفط العالمي موجود في المنطقة العربية وعلى أنها تشكل أكثر من 24% من الغاز المسوق عالمياً.
وأشار سلمان إلى ضرورة الاستفادة من المزايا المتوفرة في الوطن العربي البالغة مساحته بحدود 14 مليون كم مربع والتي تشكل بحدود 10% من مساحة العالم، خاصة في ظل ماتعانيه من ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب وارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض معدلات النمو بشكل واضح، لكن في حال تحقيق سعر السوق الكبرى العربية المشتركة التي يشرف عليها المجلس الاقتصاد الاجتماعي العربي الموحد فهذا يعني برأي سلمان توفير فرص عمل جديدة وتأمين إمكانية لتخفيض معدل البطالة، وتشغيل اليد العاملة وضمان انتقال السكان والأفراد بين الدول العربية، مع الإشارة إلى أن كثيراً من الدول العربية وخاصة الخليجية تستورد عمالة أجنبية فيمكن أن تحل محلها العمالة العربية من مختلف الأقطار العربية.
الاستثمار أولاً
إن الحديث عن انسياب السلع والخدمات يعني حتماً الحديث عن تقليل معدل التضخم والمحافظة إلى حد ما على سعر الصرف الذي تغير في السنوات الأخيرة أمام صراع العملات للدول الكبرى وخاصة بين الدول الأطلسية أمريكا وأوروبا والدول الشرقية روسيا والصين ومن يتحالف معها.
وبما أن الاستثمارات هي الحامل الحقيقي للتنمية المجتمعية، فإن تفعيل منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى سيؤدي حتماً إلى انتقال الاستثمارات، بالتالي ستتوزع هذه الاستثمارات على الأرض العربية من المحيط إلى الخليج، خاصة في ظل ماحدث في السنوات الأخيرة، من خسارة الكثير من الصناديق السيادية العربية التي تتجاوز تريليون دولار أموالها بسبب التضخم وبسبب مشاكل وسوء الائتمان المصرفي.
ويشير الباحث الاقتصادي إلى التقرير الاقتصادي العربي المشترك الذي صدر في نيسان عام 2023 والذي تساهم فيه سبع جهات أساسية هي أمانة لجامعة العربية والمصارف المركزية ومنظمة أوابك وغيرها، فقد أعطى هذا التقرير بعض المؤشرات الاقتصادية التي أكدت خلاصتها أن تفعيل التكامل العربي وفي مقدمته السوق العربية المشتركة هي الضمان الحقيقي لاستمرار وجودنا بشكل أفضل وإيجابي على الساحة العالمية، خاصة أن التجارب أثبتت أنه لا يمكن لأي دولة من دول العالم أن تحقق أمنها الغذائي وأمنها القومي بشكل منفرد، ومن هنا تطلع سلمان على رؤية الخليجية والمصرية والسودانية في سورية، وبالمقابل إلى رؤية السلع السورية في مختلف الدول العربية، فهذا برأيه يشجع على تطوير منظومة النقل بين الدول العربية التي تعتبر الشريان الأساسي لتحقيق التكامل السلعي والخدمي.
مزايا سورية
كل النقاط التي أشرنا إليها سابقاً كانت تتحدث عن أهمية وضرورة تفعيل منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى على مستوى الوطن العربي، لكن وبالاتجاه إلى التخصيص، فإن جملة من المزايا ستنعكس على سورية وعلى الاقتصاد السوري من تفعيل هذه المنطقة، أولها الاستثمارات العربية التي وصلت قيمتها خلال عام 2011 إلى أكثر من 14 مليار دولار في قطاعات أساسية منها الصناعة والمشاريع المشتركة والشركات الزراعية وغيرها.
لكن عودة هذه الاستثمارات يتطلب تفعيل مجالس الأعمال السورية العربية وتنشيط الصادرات والمستوردات خاصة أن أكثر من 60% من الصادرات السورية والتي بلغت سنة 2010 بحوالي 9 مليار دولار كانت تتوجه إلى السوق العربية وخاصة إلى السعودية والعراق، لكن من خلال هذه السوق يمكن العمل في سلم الأولويات على ضرورة تفعيل هذه الأسواق.
بالمقابل يشير سلمان إلى ضرورة تحقيق التكامل العربي وتفعيل هذه السوق على سورية ولبنان، فكلما انخفضت قيمة الناتج المحلي الإجمالي 1% في سورية كلما انعكس هذا على لبنان مباشرة بحدود 0,4% أي بحدود نصف بالمئة تقريباً.
ويؤكد الخبير على تنشيط الزراعة السورية، خاصة أن سورية تتمتع بأرض زراعية خيرة وفيرة، وتعتبر المنتجات الزراعية السورية من أفضل المنتجات في العالم والتي تستبعد الاعتماد على الأسمدة الكيميائية، كما أن السوق الخليجية تتطلع لإنتاج الزراعة السوري بجانبيه النباتي والحيواني وفي حال تفعيل هذه السوق سيؤدي إلى تنشيط المزارع السورية وزيادة مردودية الأراضي الزراعية وتنشيط على التصدير وتفعيل الزراعة بما يدعم ويتكامل مع الدور الصناعي.
وبما أن الأراضي السورية ستشهد المزيد من الاستثمارات الزراعية والصناعية وفي قطاع الخدمات وكل هذا سينعكس إيجاباً على الدائن والمدين والمنتج والمستهلك برأي سلمان، فالتطلعات الآن تتجه لأن تكون سورية قبلة للمستثمرين العرب وخاصة بعد صدور المرسوم 18 لعام 2022 والذي أعطى مزايا تفضيلية وأوجد مناخاً استثمارياً جاذباً.
وأمل سلمان قرب تأسيس شركات استثمارية سورية عربية وشركات متعددة الجنسيات مع الأشقاء العرب ووضع خارطة استثمارية سورية عربية لتحديد المزايا والقطاعات التي يمكن أن نستثمر بها في سورية بما ينعكس على السوريين وعلى الشعب العربي بأكمله.