أمريكا بين رفع سقف ديونها.. وعولمة الفقر
تقرير إخباري
في سياق سعي الولايات المتحدة الأمريكية إلى رفع سقف الدين العام وما تبعه من خلافات وشروخ في الشارع الأمريكي والطبقة السياسية، تطفو على السطح وبقوة مشكلة زيادة الفقر في المجتمع الذي تبنى شعار “أرض الأحلام”، والذي تبيّن أنه أرض أحلام أوليغارشية للأثرياء والحيتان الكبيرة، التي تنهش وتبتلع الفقراء وثرواتهم بشكل متناسب طردياً، حيث سيطر هؤلاء على الاقتصاد الأمريكي لمصلحة قطاعات صناعة السلاح والطاقة وغيرها من المواد مقابل حرمان المواطن الأمريكي، حتى وإن صُنّف دخله على أنه مرتفع، من أبسط الأساسيات كالدواء، إذ بيّنت أحدث الإحصائيات أن مريضاً من أصل أربعة تخلّى عن دواء مهم لبقائه على قيد الحياة لمجرّد التمكّن من شراء الغذاء في هذا المجتمع المتناقض الذي يعاني من تفاقم ملفّ الرعاية الصحية منذ ما قبل جائحة كورونا، ناهيك عن تفشي حالات العنصرية والاستغلال للمهاجرين غير الشرعيين الذين يعملون بأقل من الحدّ الأدنى للأجور وبنسب تفوق الـ35% من العمالة خلافاً للإحصائيات الرسمية العاجزة عن إحصائهم أصلاً، وزيادة التهرّب الضريبي الممنهج الذي يقدّر بواحد تريليون دولار سنوياً، وما سيزيده رفض الحكومة تعيين سبعين ألف موظف لجباية الضرائب، يُضاف إلى ذلك قيام الأثرياء بالتحكّم في إصدار القوانين والقرارات خدمةً لمصالحهم الاستغلالية، لتطالعنا الإحصائيات بارتفاع معدّل الجرائم في الولايات المتحدة لأسباب مرتبطة بالفقر بأكثر من عشرة أضعاف الجرائم العادية.
أما على الصعيد العالمي، فقد عمدت أمريكا ومنذ الحرب الباردة إلى تحويل نظامها الرأسمالي نحو العالمية عبر السيطرة على مجموعة من المؤسسات المالية الدولية، كالبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، إضافةً إلى سعيها إلى الزجّ بجميع الدول في خضّم الاقتصاد الليبرالي وإجبارها على إلغاء سياساتها الحمائية وتشجيع المنافسة بشكل نجم عنه تدمير أجزاء كبيرة من اقتصادات تلك الدول بعد توقف معظم معاملها التي عجزت عن تحقيق المنافسة، ما أدّى إلى تفاقم أزمات الفقر والبطالة فيها، وتحويل الصناعات التي بقيت موجودة فيها إلى صناعات تصديرية تخدم الخارج الرأسمالي، وتدير ظهرها نحو أبسط حاجات الداخل ومتطلباته، ناهيك عن اضطرار تلك الدول شبه المفلسة إلى سياسات الاقتراض من البنك الدولي وغيره من المؤسسات والدول المانحة، وبشكل أعدم إرادتها السياسية وحوّلها إلى دول تابعة للاقتصاد الأمريكي الرأسمالي، وبذلك حقّقت هذه الرأسمالية نجاحاً لافتاً في تصدير سياسات الإفقار الممنهج، وخاصة إلى جنوب العالم وإحكام التبعية الاقتصادية، وجعل تلك الدول على شفا حفرة من نار ما إن تشتعل فيها الثورات والاحتجاجات حتى يتم الامتنان عليها ببعض القروض المشروطة التي تؤمّن لها جرعة بسيطة من الإنعاش السريري، وتزيد من غوصها في مستنقع أزمات يصعب الخروج منه.
هذه الكارثة التي عمّمتها الولايات المتحدة على الشعوب لن يكون حلها بالأمر السهل، وحتى لو تم كسر القطبية وصعود أقطاب ناشئة ساعية لنشر العدل والسلام، فالشفاء من هذا الداء يتطلّب صحوة عارمة من الشعوب والحكومات في كل العالم، وسعياً وتعاوناً جاداً لمقاومة السياسات الاستهلاكية ورفض قيم الليبرالية الجديدة التي باتت تنخر معظم المجتمعات، ورفض القروض وسياسات التدخل، والتوجّه نحو نمط الإنتاج الحقيقي.
بشار محي الدين المحمد