“الذهب الأبيض” يفقد بريقه.. ويصارع على البقاء في سهل الغاب وطار العلا..!
حسان المحمد
لطالما كانت زراعة القطن “الذهب الأبيض” المحصول الاستراتيجي والمفضّل لدى مزارعي منطقة الغاب وطار العلا، والتي تعدّ من أخصب الأراضي الزراعية لهذا المحصول، ولكن أرقام الإنتاج ونسب الأراضي المزروعة تشير بوضوح إلى تراجع سريع وملحوظ يتزايد عاماً بعد عام، وخاصة خلال السنوات الأخيرة، حيث تقلصت المساحة إلى أقل من 150 هكتاراً!
هموم الفلاحين
عدد كبير من فلاحي الغاب الذين كانوا مواظبين على زراعة القطن بيّنوا أن الظروف الحالية لا تساعد على الاستمرار بالزراعة، لأن المحصول لن يكون رابحاً بعد التعب والجهد والمال الكثير الذي لا يمكن تعويضه، مشيرين إلى الارتفاع الكبير بأسعار مستلزمات الإنتاج من بذار وأسمدة، بالإضافة إلى قلة المحروقات، وعدم توفرها بالوقت المناسب، ما يضطر الفلاح إلى شرائها من السوق السوداء.
وأكد عدد آخر من الفلاحين أن ارتفاع أجور اليد العاملة والنقل زاد الطين بلة، وأجبر الكثير من الفلاحين على هجر أراضيهم، ولاسيما أن دورة إنتاج القطن طويلة وتحتاج إلى سيولة نقدية، لذا فضّلوا التوجّه إلى زراعات بديلة أكثر ربحاً وأقل تكلفة نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة، في حين توجّه آخرون لعرض أراضيهم للضمان لعدم قدرتهم مالياً على تجهيز الأرض من حراثة، وكذلك تأمين مستلزمات الإنتاج لأن متطلبات الزراعة فاقت قدرتهم المالية.
مطالب مشروعة
وسط هذه المعاناة، طالب المزارعون الجهات المعنية في وزارة الزراعة واتحاد الفلاحين والهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب بضرورة الدعم الحقيقي لمزارعي القطن حتى يعود الألق لهذا المحصول الاستراتيجي ليساهم في تحريك عجلة الإنتاج الصناعي، وذلك من خلال تقديم الدعم الحقيقي لهم وتشجيعهم على زراعة مساحات واسعة لإعادة الحياة لحجم الإنتاج الزراعي من القطن، وللصناعة العريقة التي تعمل به، خاصة وأنه يحتاج إلى نحو 10 ريات خلال دورة إنتاجه، والتي تبدأ عادة بزراعته في شهر نيسان وتنتهي بقطافه في شهر أيلول، وخاصة بعد أن انخفضت منسوبات بعض الأنهار، رغم أن غالبية الآبار عند الفلاحين تعمل على الكهرباء وهي لا تأتي إلا ربع ساعة كلّ ست ساعات أو نصف ساعة في أحسن الأحوال، ولا يمكن الاعتماد عليها في سقاية المحصول الذي يعرف بحاجته الكبيرة إلى المياه، وفي حال تمّ شراء المازوت من السوق السوداء فإن الإنتاج لن يعوّض الخسائر، لذا عزف الكثير عن زراعته التي عملوا بها لأكثر من 40 عاماً مع عائلاتهم.
أين الدراسات..؟
عدد من المزارعين في طار العلا لفتوا إلى أن القطن مصنّف في سجلات وزارة الزراعة كمحصول إستراتيجي، ومع ذلك منذ خمس سنوات لم تجرِ دراسة لتكلفة إنتاجه ليتمّ على أساسها إقرار تسعيرة له، وهذا يؤكد أن قرار تسعيرته بالسنوات السابقة كان مزاجياً أو ارتجالياً ولا يستند إلى معلومات مدروسة، ومع الإقرار أن قلة المياه سبب كبير لتراجع مساحات القطن بالمناطق التي لا تتوفر فيها مصادر للري، لكن هناك أسباباً لتوقف زراعته في بقية المناطق التي تتوفر فيها مياه الري، في مقدمتها تسعيرة المحصول المتدنية البالغة 4000 ليرة للكيلو غرام الواحد، وهذا برأي الفلاحين لا يتناسب مع الجهد المبذول والمال المنفق.
واللافت أن المشكلة الحقيقية ليست في توقف زراعة القطن وحده، بل في أن هذا التوقف يعطل تطبيق الدورة الزراعية المتكاملة، إذ سبقه تراجع كبير في مساحات زراعة الشوندر السكري والتبغ، وأصبح القمح المحصول الاستراتيجي الوحيد المعتمد في الخطة الزراعية، وتكرار زراعته في الأرض نفسها سيؤدي إلى تراجع مردوديته وبالتالي فشل زراعته!.
غير مجدٍ…
رئيسُ اتحاد فلاحي حماة حافظ سالم، علّل سبب قلة مساحة القطن المزروعة إلى قلة المصادر المائية وعدم كفايتها لري المحصول كونه يحتاج لسبع ريات على الأقل، بالإضافة إلى عدم توفر الأسمدة اللازمة وارتفاع أجور اليد العاملة والفلاحة، فكان الاهتمام الأكبر في الأعوام الأخيرة لزراعة أكبر مساحة ممكنة من محصول القمح لما له من أهمية في حياة المواطن اليومية لتأمين رغيف الخبز، علماً أن السعر الحالي للقطن غير مجدٍ مقارنة بالتكاليف ولا يحقق هامش ربح جيداً للفلاحين.
مدير الثروة النباتية في الهيئة العامة لتطوير الغاب المهندس وفيق زروف أشار إلى أن المساحات المزروعة بمحصول القطن في الأراضي الآمنة الواقعة تحت إشراف عمل الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب بمحافظة حماة بلغت 140 هكتاراً من إجمالي الخطة المقررة للموسم الحالي، والبالغة 350 هكتاراً، مبيناً أن أسباب عزوف الفلاحين عن زراعة القطن هي نتيجة حتمية لارتفاع مستلزمات الإنتاج، وخاصة المازوت والأسمدة وأجور النقل، مع ظهور محاصيل منافسة للقطن وأقل تكلفة وأكثر ربحاً مثل الفول السوداني والبقوليات.
ويبقى السؤال: إلى متى يبقى الفلاح يسمع التصريحات والوعود بتحسّن ودعم الواقع الزراعي؟!.. الزراعة لأهم محصول استراتيجي تنكمش في سهل الغاب وطار العلا بل وتصارع من أجل البقاء فمتى ندعمها بشكل حقيقي؟.
هامش:
بحسب الدراسات والبحوث الزراعية تعتبر منطقة سهل الغاب من أشهر المناطق المعروفة بزراعة القطن لتوافر التربة والبيئة المناسبة، وكان من أهم المحاصيل الإستراتيجية في المنطقة، ويعدّ من أكثر المحاصيل الزراعية المرغوبة للتصدير كما يؤمن احتياجات معامل الغزل والنسيج المحلية بقطاعيها العام والخاص.