د. شفيق آشتي: مجموعتي الجديدة من أرفع ما قدمته من تجارب
ملده شويكاني
يحتاج المرء إلى وقت طويل ليتمكّن من المحاورة مع لوحة الفنان الدكتور شفيق آشتي، فيتبع الخط الأسود الذي يحدّد معالم الهياكل الجمعية وحركة الأجساد الباحثة عن الخلاص حيناً، والمرتبطة بتناغمات فن العمارة وتدرجات الرماديات. وقد حفل معرضه الذي افتتح مساء الأحد في المركز الوطني للفنون البصرية بأربعة وعشرين عملاً من أحجام مختلفة توزعت في مجموعتين. وربما تكون لوحة “العشاء ما بعد الأخير” التي حظيت بتضمين اسم لوحة السيد المسيح (العشاء الأخير) إلا أنها ارتبطت بالواقع الذي عاشته سورية في السنوات الأخيرة وبتأثيرات اللون الأحمر، لتوحد الأشخاص للبحث عن حلّ للخلاص والنهوض من جديد هي الأجمل.
ويأتي هذا المعرض بعد كثير من المعارض الدولية والمحلية التي أقامها الدكتور آشتي الأستاذ الجامعي لعقود في كلية الفنون الجميلة، الحاصل على الدكتوراه بفلسفة علوم الفن من أكاديمية بطرسبورغ في روسيا، وقد عبّرت معارضه عن سلسلة مترابطة، من أشهرها: روح بالميرا، مدينتي وأنا، تكوينات رومانسية، أجساد عابرة.
والدكتور شفيق آشتي حاصل على جوائز عديدة، منها الجائزة العالمية لمسابقة يوم القدس العالمي. وتقديراً لإبداعه طبعت جامعة البتراء كتاباً عن أعماله بعنوان “قراءات تعبيرية”. “البعث” تحاورت مع الفنان شفيق آشتي حول معرضه ومسائل تشكيلية.
ماذا عن التشكيل الجديد في المجموعة الجديدة، من حيث التقنية والمضمون؟
في هذا المعرض أقدم مجموعتين من الأعمال الفنية، الأولى تتضمن أعمالاً جديدة لم تعرض سابقاً، أقدم فيها رؤية جديدة مستمدة من الخيال والتصوّر الافتراضي لواقع يحيط بنا بكل جوانبه، حيث فرض الواقع نفسه على مضامين هذه الأعمال، وأعدّ هذه التجربة من أرفع التجارب التي قدمتها خلال مراحل إنتاجي الفني. أما المجموعة الثانية فهي أعمال تجربة سابقة عرضت في أروقة المتحف الوطني في دمشق وبيروت عام 2010. وفي كلتا المجموعتين بغضّ النظر عن الفارق الزمني بينهما لأكثر من ثلاث عشرة سنة أجد أن تعبيرية الخط والمهارة في التنفيذ إلى جانب مقومات العمل الفني المصاغ يعكس هويتي ويتواجد ويهيمن بقوة على اللوحة، ما يعطيها ويكسبها حرفية عالية المستوى.
هل ثمة تغيير بالتقانات وما سرّ الرماديات؟
التقانات التي أعمل بها أصبحت معروفة في الوسط التشكيلي المحلي والعربي، وهي مرتبطة بعمق تجربتي التي يزيد عمرها عن الخمسين عاماً، أي منذ مطلع السبعينيات وتتصف بمهارات قد لا أدركها إلا حين تنبسط تلقائياً على سطح اللوحة بموقف ارتجالي بدءاً من الخطوط الأولى وحتى اللمسة الأخيرة، فتنصهر فيها الروح والحسّ البصري والمادي. وما يتعلق بالألوان ففي معظم لوحاتي وخلال كلّ تجاربي أميل إلى الرماديات، التي أنسجم معها وأرغب بها منذ عقود وحتى ما قبل دخولي المدارس التعليمية، كونها تمثلني وتمثل هويتي الفنية.
يشهد المشهد التشكيلي حراكاً نشطاً بالصالات الرسمية والخاصة.. ما رأيك بما تتابعه؟ وهل ثمة تطور أم تكرار لتجارب سابقة؟
لا أرى شيئاً جديداً يذكر على الإطلاق في المشهد التشكيلي المحلي، فمعظم المعارض المطروحة هي تقليد لتجارب مسبوقة أو قريبة منها ومكررة، في حين أرى بعض المحاولات للإفلات والتنبؤ ببوادر بداية تجربة، وحينما نتحدث عن تجربة فهذا يعني أننا نتحدث عن فاصل زمني من تاريخ الهوية من هوية معروفة ونصادف القليل منها، ولا ننكر أننا نعيش في زمن صعب تواجه فيه الأجيال بمختلف أعمارها تحديات كبيرة، وفي ظلّ الظروف الصعبة التي يعيشها الفنان تؤدي إلى التقوقع والعزلة في الاحتكاك مع متاحف وصالات عرض عالمية، وهنا يلتجئ إلى مؤثرات مغرية للوصول بسرعة –وخاصة عبْر الهاتف الجوال- للتجول في رحاب إنتاجات العالم الفني التشكيلي تحت أسماء معارض افتراضية وغيرها، فيصعب على المتلقي عبْر التصفح للمواقع الإلكترونية المتنوعة التكيّف معها وتذوق المناسب بما يخدم أهدافه في تكوين الشخصية التشكيلية في غياب الخبرة البصرية، المفروض أنها تلامس العمل الفني الحقيقي وجهاً لوجه أمام تجارب مهمّة محلية وعالمية. وأعتقد أن هذه المعوقات التي تعكس الحالة الراهنة وتقف عائقاً ضد تطلعات الجيل الشبابي خاصة.
كثير من الفنانين يعملون على المشاركة بمعارض جماعية أو فردية بإمارة دبي، ما رأيك بهذه الظاهرة؟.
منذ مطلع القرن العشرين كان الغرب قبلة الفنانين التشكيليين وبيروت العاصمة الثقافية للبلاد العربية، ونتيجة عوامل عديدة تحوّلت قبلة الفنانين حتى المقيمين في أوروبا إلى دول الخليج، وليس حصراً دبي، فكلّ الفنانين المحليين حتى العرب المقيمين في أوروبا توجّهت أنظارهم إلى العرض هناك، والمشاركة في النشاطات الثقافية التشكيلية بوساطة صالات العرض النافذة، وأعدّ هذا المكان الذي تعجّ فيه ثقافات الأمم هو البوابة العريضة لكسب الشهرة والمردود المادي.
امتدت تجربتك بالتدريس الجامعي داخل سورية وخارجها عقوداً من الزمن بماذا توصي طلابك؟
من خلال تجربتي بالتدريس الجامعي التي زادت عن ثلاثة عقود، منذ عام 1989، أحثّ طلابي على تعلم مبادئ الرسم أولاً، وثانياً تعلم بناء التكوين ومفرداته إلى جانب التجريب والبحث في التقانات ومكونات العمل الفني الذي يناسب موضوعاتهم المطروحة وإمكاناتهم كموهبة وخبرة مهنية. أما التجربة البصرية والثقافية فتقع على عاتق الطالب في تطوير مهنيته وأدواته حتى يصل إلى مرحلة إعداد مشروع تخرجه الذي يعدّ منصة ينطلق منها لتكوين الذات.