“عيون سورية” التشكيلية في معرض في صالة دمشق
أكسم طلاع
افتتحت صالة دمشق معرضها الجديد الذي حمل عنوان: “عيون سورية – التشكيل السوري المعاصر ابن الآن والمكان”، حيث جمعت بين جيلين مهمّين من محترف الفن التشكيلي السوري الحديث، جيل أسّس وجيل يتابع التأسيس ويلتقيان في التنوع والفرادة والنضج، ما يجعلهما يعكسان بموضوعية المستوى الفني الرفيع الذي وصل إليه هذا اللون من الفنون والذي لازال يتقدّم متجلياً في الحركة التشكيلية السورية الحديثة والمعاصرة لأسبابه الموضوعية والذاتية العديدة.
هذا ما جاء في البيان المختصر والافتتاحي لهذا المعرض الذي يضمّ أعمالاً تشكيلية للفنانين: نعيم إسماعيل، فاتح المدرس، مروان قصاب باشي، لؤي كيالي، محمود حماد، نذير نبعة، أحمد معلا، علي مقوص، نزار صابور، فؤاد دحدوح، وحمود شنتوت. هذه الباقة المختارة من أعمال الفنانين بالطبع هي من مقتنيات صالة دمشق في أغلبها، ولن تكون هي المجموعة النهائية التي نقيس من خلالها سوية الفن التشكيلي السوري الواقع بين جيلين أو مرحلتين أو أكثر، المهمّ أن هناك وعياً جديداً بدأ عند بعض المهتمين بالفن التشكيلي السوري، وخاصة عند أولئك الساعين نحو الاستثمار والربح المضمون، حيث بدأت محاولات جادة منذ بداية الألفية ساهمت في نهضة الفن التشكيلي السوري وترويجه في الخارج، وتركزت هذه الجهود بالتحديد نحو التجارب التي يُراهن على انتشارها وتقبلها من المقتنين، إذ تمّ التركيز على أسماء محدّدة بعينها مما أثر على حصيلة التشكيل السوري الذي أضحى يُقاس بهذه التجارب مع بعض الاستثناءات المحدودة لأسماء تمّ تبنيها من قبل توافق بين رأس المال المقتني والوظيفة الاستبدالية للقيم التقليدية في الفن وكسر المتفق عليه من ركائز جمالية واستبدالها بالقبح والفجاجة تحت مسميات التعبير والمعاصر.
اهتمّت إدارة صالة دمشق منذ بداية التأسيس بترويج وأرشفة التشكيل السوري ونجحت في الاستحواذ على عدد لا بأس به من الأعمال المهمّة في التصوير والحفر، وتسعى إلى توسيع دائرة الاقتناء لتشمل أكبر عدد من تلك الأعمال التي تعود لفنانين سوريين من مراحل مختلفة، كما تسعى إلى تعريف المقتني الأجنبي والعربي بالفن السوري من خلال المعارض الدورية والتواصل مع منصات العرض والمحافل التشكيلية الأخرى، وهذا ما يتطلّب جهداً ومالاً وتعاوناً بين أكثر من جهة مهتمة.
في هذا المعرض لا يخفى أن هناك توصيفاً دعائياً لعيون التشكيل السوري وقد يكون ارتجالياً غير محسوب النتائج، حيث ينظر الجيل الجديد من الفنانين إلى هذه الأعمال المنتقاة على أنها لا تشكل حواراً في التشكيل السوري لأنها منقطعة عن بعضها ولا تجتمع إلا في التسمية السورية، ولا تكتسب صفة النبع أو الإلهام لأن المحاولات الفنية هي ابتكارية ولا تراعي المقدس أو الصنمية، وقد تغصّ مستودعات وزارة الثقافة بمثل هذه الأعمال، في الوقت الذي تشهد الحركة التشكيلية السورية جيلاً جديداً أكثر إدراكاً للوحة والفنون البصرية التي تجاوزت مفهوم لوحة الحامل المملة وبدأت تتجه نحو استخدام مواد وتقانات جديدة وصولاً إلى أكبر مساحة من التأثير والكشف التعبيري.
في هذا المعرض الذي جاء من العيار الثقيل، هناك الكثير مما يُقال لجهة مستوى هذه الأعمال قياساً لمسموعية بعض الأسماء الكبيرة والرائدة في التشكيل السوري، فبعض هذه الأعمال لم تكن عيون الفن التشكيلي السوري ولن تكون، هذا العيار التعبوي الثقيل الذي نقيس فيه فنوننا التشكيلية يجب أن يخضع لمعيار البحث عن منابع التجربة ومدى تأثيرها في المنتج التشكيلي والتذوق عموماً، وأن يخضع للبحث والدراسة النقدية العلمية بعيداً عن رغبات المُسوّق الاقتصادي والثقافي، فلا يمكن وضع تجربة مروان قصاب باشي وحمود شنتوت أو غيرهما من فناني جيلهما أمام حوار واحد وفي سلة واحدة، وإن كانوا ينتمون للعائلة التشكيلية السورية الواحدة، فلكل تجربة نكهتها وخاصية بقائها وأصالتها المشروطة بعميق إبداعها وحريتها وفردانيتها.
قد يتفق البعض مع رؤية المؤسّسة الثقافية التي تعتبر أن لوحة كفر جنة لفاتح المدرس هي بداية الحداثة التشكيلية في سورية، وربما هناك من يعارض هذا “الاتفاق” التاريخي، وقد يصل الأمر إلى التشكيك كلياً بمعنى الحداثة التشكيلية والفاصل بينها وبين الآن من فنون المعاصرة، إلا أن الاتفاق واضح عند فنون الستينيات من القرن الماضي التي تعدّ المنعطف في التشكيل السوري حسب كتاب الناقد الدكتور عبد العزيز علون، والموقف الآن متاح لمن يملك المادة الفنية والمال والمنبر أن يرفق ما يشاء من عناوين خدمة لما يسعى إليه ويربح!.