التكنولوجيا.. فصل التدمير الذاتي
ترجمة: هناء شروف
تحت الضغط لتوضيح سياساتها الاقتصادية والأمنية تجاه الصين، أرسلت إدارة بايدن مؤخراً اثنين من كبار المبعوثين “لتوضيح” أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى “فك الارتباط” بالصين.
لم تُجب وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان عن سؤال حول الكيفية التي تخطّط بها واشنطن للحدّ من عمليات نقل التكنولوجيا إلى الصين والاستثمارات فيها، حيث عزّز ذلك بأن الإجراءات الأمريكية الجديدة يمكن أن تضرّ بالمستثمرين، وتعطّل نظام التجارة العالمي، فهل تخاطر الولايات المتحدة بحرب تقنية مضللة؟.
على مدى السنوات القليلة الماضية، عزّز الكونغرس الأمريكي لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، بينما استخدم سلطته لفحص بعض الاستثمارات الخارجية للشركات الأمريكية. وفي عام 2018 قام الكونغرس أيضاً بإصلاح أنظمة فحص الاستثمارات في الولايات المتحدة، وفرض ضوابط على صادرات السلع والتكنولوجيا. في تشرين الأول الماضي، أعلنت إدارة بايدن قيوداً شاملة ومثيرة للجدل على صادرات التقنيات الحساسة إلى الصين بهدف تقويض قدرة البلاد على شراء الرقائق، ومعدات تصنيع الرقائق المتقدمة.
كذلك قامت الإدارة ببناء “حواجز حماية” من خلال الحدّ من الاستثمارات التي يمكن لمتلقي الإعانات القيام بها في الصين. إلى جانب ذلك أُضيفت العقوبات المالية إلى قائمة “الرعايا المعينين خصيصاً” لوزارة الخزانة.
ومن ثم فإن القول، كما فعلت يلين وسوليفان، بأن الإدارة لن تفرض سوى قيود استثمارية “ضيقة” دون الإدراك أن هذه الإجراءات لها آثار سلبية واسعة النطاق في وقت يتأرجح فيه الاقتصاد الأمريكي على حافة الركود، ويواجه أزمة مصرفية منتشرة، وتزايد مخاطر التخلف عن سداد الديون.
بالإضافة إلى الحظر المقترح على الاستثمار الأجنبي من قبل الشركات الأمريكية في شركات التكنولوجيا الصينية، تريد الإدارة الآن تقييد عدد وأنواع التقنيات التي يمكن بيعها للصين، لأنه مع تركيزها الأولي على أشباه الموصلات المتطورة، قد تمتد المبادئ التوجيهية لتشمل الذكاء الاصطناعي، والحوسبة، والمركبات الكهربائية، والمعادن الأرضية النادرة، أي باختصار الصناعات الناشئة المتصورة في المستقبل.
ومن المفارقات أن كلاً من البيت الأبيض، ومجموعة من الحزبين في الكونغرس قد واجهوا صعوبة في التوصل إلى توافق في الآراء بشأن تقييد الاستثمار الخارجي سعياً وراء نفوذ تنافسي، كما هي الحال دائماً. وكما توقعت مؤسسات الفكر والرأي الأمريكية فإن الأمر التنفيذي لبايدن الذي يستهدف الصين سيكون له تأثيرات بعيدة المدى على الاستثمارات في الشركات الصينية المدرجة في البورصة من قبل الأفراد، والشركات، والاستثمارات في الشركات الناشئة عن طريق رأس المال الاستثماري، وصناديق الأسهم الخاصة، والاستثمارات التي تقوم بها الشركات الأمريكية. ومع تغذية السياسة المالية للتضخم الجامح، والأزمة المصرفية المتصاعدة، وكارثة الحدّ من الديون، من غير المرجح أن يتغيّر هذا الاتجاه في أي وقت قريب.
مهما كانت الفائدة الأمنية الهزيلة التي تأمل إدارة بايدن في جنيها من حجب الاستثمار الأمريكي، والاعتراف الدولي بشركات التكنولوجيا الفائقة الصينية، فقد يتمّ تعويضها من خلال الأضرار الجانبية الهائلة التي من المحتمل أن تسبّبها هذه القيود الجديدة.
بمرور الوقت، قد تضمن القيود فعلياً أن الأمريكيين لن يتعلموا من شركات التكنولوجيا الصينية التي يوجد العديد منها بالفعل في القمة في مجالاتها في العلوم والتكنولوجيا.
في أوائل عام 2021 قالت الخبيرة الاقتصادية السابقة في منظمة التجارة العالمية، آن كروجر، إن طريقة عمل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كانت التنمر على بكين في التجارة والاستثمار الأجنبي، والفضاء الإلكتروني، والتجارة الإلكترونية، والملكية الفكرية، واقترحت إعادة ضبط شامل للعلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
إذا كان نهج ترامب المنمّق والقائم على العمل بمفرده معيباً بشكل أساسي، فإن قيود بايدن التقنية ستعاقب الشركات والمستثمرين والمستهلكين في الولايات المتحدة، وستعرقل التعافي العالمي، بينما تتسبّب في خسائر فادحة في الفرص الضائعة، إنه الشيء الخطأ الذي يجب فعله في الوقت الخطأ.