“ربيع حلب 2023”.. لونيات الألم والطرب
حلب – غالية خوجة
باثنتين وثلاثين لوحة يفترض أنها لم تعرض سابقاً، لاثنين وثلاثين فناناً وفنانة، افتتح اتحاد الفنانين التشكيليين فرع حلب معرض “ربيع حلب 2023″، في صالة الأسد للفنون الجميلة – صالة الاتحاد، فماذا عن هذا المعرض؟
تنوعت الأعمال بتحولات الألم والأمل، في محاولة لافتة للخروج من الدمار والأنقاض بقصص لونية تسرد ما حدث لهذا الوطن، وهذه المدينة، سرداً يتسم بإيقاعات تنتشل رمادها من شتات الذاكرة لتورق بالضوء الحالم مجدداً وإلى ما لا نهاية. فما بين التشكيلات الحروفية والبيئة والطبيعة والشخوص والمباني الأثرية، تتناثر الدلالات الموحية بحضور العديد من الاتجاهات الفنية النازحة إلى الواقعية والتعبيرية والتصويرية والرومانسية والمكانية والكولاجية والنفسية والتجريدية والفسيفسائية الهندسية والزخرفية.
أشعة الآلام المعتّقة
نلاحظ كيف تميّزت لوحة الفنان محسن خانجي بالآلام المعتقة الهاربة مع شخوصها من اللهب مثل ألوانها المتدرجة بأرجوانية مندلعة من كلّ مكان تلفح الشخوص في ذاك المكان الذي يفتح بوابته المطرزة برسومات شرقية لتكون ممراً أو جسراً متحركاً إلى أشعة مجهولة. بينما عكست لوحة بشار برازي حالة عائلية اجتماعية للخروج من النار والزلزال، متمسّكة بقلبها الأحمر الرمزي لتنجو الشخوص بلونها الأزرق المنسحب من الأسود، وهي الفكرة ذاتها التي رسمها صلاح الخالدي بشخصيتين مؤنثتين تقفان بذهول بين أنقاض المباني المحتضنة بين طياتها شخصية مؤنثة أخرى تنتظر الإنقاذ، بينما توقيت الساعة يشير إلى ما بعد الرابعة من 6 شباط، لتمتزج دقات الثواني مع المطر والأحداث التي قال عنها فنانها: لوحة تحرك فيها الزلزال والمكان والمجتمع والذات والأرض والمأساة الإنسانية التي عشناها وما زلنا مع الساعة التي تجمّد فيها التوقيت.
وتطلّ هذه الفكرة في لوحة وحيد قصاص بشخصيتين طفوليتين مرعوبتين من الهول، لكنهما كشبحين نابتين من أصص النباتات المصابة مع خلفية اللوحة المكوّنة من بقايا العمارات والغبار وما بينها من تدرجات الأحمر والأسود والبني والابتهالات التي ترى بقعة بيضاء من الغيم والأمل. أيضاً، تعالج لوحة د. إيمان سليمان الحالة النفسية لشخصيتها بأشكال هندسية متقاطعة مع الجسد وملونة بمكونات المكان وتهيؤاته المختلفة، بينما يختزل الفنان عبد القادر منافيخي حكاياته بمنحوتة من الخشب تشكلت باسم سورية وحضنت حلب.
آثار المكان والنبات والإنسان
ولمدينة حلب القديمة حضورها مثل القلعة لمحمد جاويش، والسوق لأيمن الأفندي، والبيوت الطينية لفيصل تركماني، والبيوت القديمة وحاراتها ومساجدها لسوزان حسين، ولكنها تطلّ مع أمنياتها الملائكية في اللوحة البيضاء المجسمة لزافين بردقجيان، وكذلك، للخط العربي ذاكرته المعاصرة ومنها لوحة كل من أحمد قاسم وخلدون الأحمد، بينما تحضر الطبيعة بفنياتها في زهار صبّار لوحة أصلان معمو المحدقة في وجه طفل مؤطر بنافذة التفاؤل رغم الدراما، تلك التي عبّرت عنها لوسي مقصود بحلم نبتة تنمو في الأصيص بين الزخرفة والخط واللمسة الرومانسية للبني وتدرجاته والبنفجسي الزاحف إلى منتصف اللوحة لينعكس من الدائرة شبْه النافرة ورمزيتها بين الماء والضوء الذهبي وثمارها البيضاء المتدلية من أوراق النبتة.
وتبدو الأشجار في لوحة الفنان حنيف حمو شاردة بين المطر والفصول، وبعضها يفكّر بنبضاته الحمراء والزرقاء وهي تمنح الطاقة للأغصان والأوراق الخضراء المطمئنة للجاذبية، تلك التي تمسك بها انسيابية الطبيعة الريفية في لوحة الفنانة شكران بلال، تاركة لحركة الهواء أن تتلوّن مثل الشجر بلون السماء المتماوج مع لون ماء النهر بين اللازوردي والأبيض، وتفوح موسيقا اللون البني والنحاسي لتظلّ النسائم متعالقة مع صوت الخرير وزقزقة العصافير والهدوء النفسي للذاكرة والإنسان والمكان.
أحاسيس جديدة
وعن مشاركته، قال جبران هدايه: أقدّم لوحة بأحاسيس جديدة، وكم كانت لهذا المعرض الذي أحبه نكهة أخرى، كان هناك فنانون لديهم هاجس الإبداع خصوصاً في حلب مثل لؤي كيالي، وحيد مغاربة، عبد الرحمن مؤقت، ونفتقد أمثالهم في مثل هذه المعارض.
وعن سرّ ميله للطبيعة، أجاب خيرو حجازي: أعتبرها مرحلة من مراحل تجربتي، وأبحث من خلالها في الجذور الطبيعية واللونية، لأعكس شفافية الطمأنينة، وأرى، وضمن هذه الظروف، أن المعرض ما زال متمتعاً بلوحات فنية، وأخرى بحاجة لمزيد من العلائق المصقولة بمفردات فنية.
ورأى الأديب الإعلامي عبد الخالق قلعجي أن اللوحات عادة ما تستقبل زوارها بصالة العرض، لكنها في حديقة مقرّ اتحاد التشكيليين تستقبلك على رصيف تحت شجرة، وعلى مقعد خشبي، وسور درج، لوحات من زوار كانوا ينتظرون موطئ قدم في الصالة التي غصّت بضيوفها والمشاركين، لتشكّل حالة من الجمال لأعمال فنية متنوعة بشرائح فنانيها ومشاربها ومدارسها المختلفة، وأضاف: لافت الحضور الفني لصبايا وسيدات مشاركات من حيث العدد والسوية، وفرصة لحديثات العهد لارتقاء سلم الإبداع الذي اشتهرت به حلب عبر تاريخها وصولاً إلى المعاصر منه، وهذا يُحسب لفرع الاتحاد بحلب الذي فتح المجال والنشاط المتواتر على صعيد المعارض الفنية وفعالياتها الأخرى، ولافت أيضاً حضور الأخلاق الفنية التي تجلّت من خلال الفنانين المخضرمين وتشجيعهم للوجوه الفنية الشابة القادمة، مرسخين ثقافة نبيلة بين الرواد والرواد المنتَظرين وأجيال تتلوها أجيال.
وأكدت علياء ريحاوي فنانة غير مشاركة بهذا المعرض على أهميته، لأنه يجمع الفنانين بقلب واحد وهوية بصرية متنوعة مع تلقّي المشاهد للألوان الجميلة التي تناقش مشاعره تبعاً لتفاعله مع الأعمال.
ومن الحضور، أخبرتنا وفاء حمام بأنها أحبّت اللوحات، وأثّرت فيها لوحة الزلزال لبشار برازي، وأعجبتها لوحة د. قصبجي بألوانها الطبيعية الواقعية، ولوحة حياة الرومو وبطلتها الجالسة على الركام وكأنها تعكس وضْع الناس والبلد لكن بحالة من الأمل.
ورأت الصيدلانية ليلى منجونة أن اللوحات جامعة لملامح كلّ من البشر والطبيعة مثل لوحة الدكتور سعد قصبجي، ولوحات بملامح ليست لكائنات ولا لشخوص لكنها تعطي إحساساً يحتاج لمخيلة لتصل إيحاءات الرسالة اللونية.