“القصّة السّاخرة”.. نماذج وانتقادات في اتّحاد الكتّاب
نجوى صليبه
يختصر الأديب رياض طبره تعريف الأدب السّاخر بالقول: “هو فنّ أدبي رفيع ومتقدّم ومن أصعب الأنواع الأدبية”، وبهذا ابتدأ الفعّالية التي أقامها فرع القنيطرة لاتّحاد الكتّاب العرب، مؤخّراً، تحت عنوان: “القصّة السّاخرة”، وعليه نضيف إنّه فنّ يستسهله البعض كما الشّعر، وإنّه مظلوم من حيث إقامة نّدوات خاصّة تتناول تاريخه وتعرّف بالتّجارب العالمية والعربية والمحلية فيه أيضاً.
البداية كانت مع الأديب والصّحفي عماد ندّاف.. يقول: يجب أن نفرّق بين الزّاوية الصّحفية السّاخرة والقصّة السّاخرة التي تضحكنا وتبكينا أيضاً، مبيّناً أن “هذه أوّل مرّة أقرأ على الملأ نصوصاً ساخرةً من تلك التي كنت أنشرها في الصّحف المحلية والعربية بأسماء مستعارة منذ عشرين عاماً، فمرّة كتبت باسم حديدان ومرة باسم عين”.. ومن هذه الزّوايا اختار ندّاف أن يقرأ “أنا صحفي مجنون”، التي نشرت باسم “عين” منذ أعوام كثيرة في إحدى الصّحف المحلية، وفيها يتحدّث حول مهنة الصّحافة التي جعلته يراقب كلّ شيء في الشّارع وينتقده، ومنها نقتبس: “سأكتب عن كلّ شيء ولن أخاف.. أما قلت لكم إنّي صحفي مجنون، ولذلك سأوقّع بحرف “عين”، وهذا أيضاً عين الجنون، لأنّه سيعرّضني لتهمة التّخفّي وراء اسم وهمي”.
“بيجامة رياضة” عنوان القصّة التي قرأها الدّكتور عامر مارديني، وفيها يتحدّث عن عبثية القدر التي جعلت كيساً معياراً لتقدير شخص مرّة، ومعاقبته مرّة أخرى، مع العلم أنّه في الحالتين لا يحوي سوى “بيجامة رياضة” رثّة لشاب فقير يريد إجازةً من عمله، فيذهب إلى مديره وهو يحمل “بيجامته” بكيس جميل ـ مطبوع عليه اسم علامة تجارية مشهورة ـ استعاره من زميله.. يطلب مديره وضع الكيس مع بقية الأكياس، ظنّاً منه أنّه يحوي شيئاً من تلك الشّركة المشهورة.. يذهب الشّاب إلى قريته ويودّع والده، وبعد انتهاء العزاء يعود إلى عمله وهو يحمل كيساً عادياً فيه “بيجامة” قديمة أيضاً وهي كلّ ما تبقى له من رائحة والده، أحضرها معه ليرتديها كلّما غلبه الشّوق والحال.. يقصد الشّاب مكتب مديره ليعلمه بعودته ليجد كيسه مكانه، فينظر الأخير مباشرةً إلى الكيس فرحاً، معتقداً أنّه يحوي بعض منتجات قريته من ألبان وأجبان وخضروات، لكن عندما يعرف أنّها “بيجامة” رثّة معبّقة بعرق والده وتذكّره بنضاله وكفاحه، يحيله إلى مكان آخر غير علمه الأساس لكي يعيش الكدّ والنّضال ويبقى في تلك الرّائحة!.
بدورها، نوّهت عائشة قسّوم بأنّها تشارك أوّل مرّة في القصّة السّاخرة، وبأنّ هذا النّوع من الأدب بحاجة إلى حسّ “تنمّر” أحياناً، وقرأت قصّة بعنوان: “إشارة عبور”، وفيها تتحدّث عن الأشخاص الذين يعيشون في أحلامهم وأوهامهم لدرجة يصعب عليهم لاحقاً العيش في واقع يسوده الزّيف، فيجمّلونه بالمغامرة والعيش كما يريدون.
أمّا القاصّ غسّان حورانية فاقترب بقصّته التي جاءت تحت عنوان: “لفت نظر” من النّفاق والعقد الاجتماعية والثّقافية، وتدور أحداث القصّة في عيادة طبيب الأسنان، حيث يجتمع ثلاثة شّبان مختلفي العمل والتّفكير في غرفة الانتظار، يجلسون ومقابلهم مريضة تنتظر دورها وهي تقرأ رواية “زقاق المدق” للأديب نجيب محفوظ، فيجرون نقاشاً حادّاً حول روايات محفوظ للفت انتباهها.. الأوّل يبدأ بتعداد ما حفظه من رواياته، والثّاني يصرّح بأنّه إضافة إلى عمله مندوباً لإحدى الشّركات الطّبية، هو كاتب سيناريو، وقد بدأ، مؤخّراً، بكتابة سيناريو لفيلم “زقاق المدقّ” برؤية جديدة، أمّا الثّالث، وهو من مدّعي الثّقافة، فشنّ هجوماً لاذعاً على الأديب قائلاً إنّ “الدّهر أكل وشرب على رواياته”.. رأي يثير استهجان الشّابين الآخرين، ويستنكران جرأته بالتّطاول على رمز من رموز الأدب، إلى أن تخرج الممرضة وتشير إلى الفتاة بإشارات الصّم والبكمّ، طالبةً منها الدّخول إلى غرفة الطّبيب..
وأمّا الأديب محمد الطّاهر فصنّف مشاركته تحت عنوان “قصص قصيرة جدّاً من الأدب السّاخر”، ومنها نختار: “لم يعد اللص يخشى نباح الكلاب في الشّوارع المظلمة بعد أن أصبح حارساً للمدينة وسارقاً لأحلامها”، و”لا أحبّ المناسبات فهي تذكرني برائحة الضّباع التي تسبقها”.
مواضيع متنوعّة، كذلك الأساليب، لكنّها تظهر حالة من عدم فهم أو ربّما اختلاط المفهوم على البعض، وهذا ما كان جليّاً للجميع، ما دفع البعض إلى الإدلاء برأيه وقول كلمته بصدق وموضوعية وبعيداً عن المجاملات، فالأديب مطانيوس مخّول قال إنّ “بعض النّصوص التي قدّمت لا يمكن عدّها قصّة ساخرة”، مبيّناً أن “ما قدّمه محمد الطاهر هو ومضات ساخرة وليس قصّةً ساخرةً، أمّا القصّة التي قرأها عامر مارديني فهادفة وأوصلت الفكرة التي يريدها، بينما قصّة غسّان حورانية فلم تظهر السّخرية إلّا في الخاتمة”.
ويتّفق الأديب يوسف جاد الحق مع مخّول في القول إنّ كثيراً ممّا سمعه ليس بقصّة ساخرة، موضّحاً: “ليس شرطاً أن تكون القصّة سطراً أو أكثر حتّى تؤدّي الهدف والغرض منها، أو لكي تكون ساخرةً، ولا يمكن للإنسان أن يقول سوف أكتب القصّة السّاخرة، لأنّ كتابة هذا الأدب موهبة كالشّعر تماماً، أي يجب أن يكون بطبعه ساخراً، ويرى الأخطاء والسّلبيات في المجتمع ويعالجها بالقصّة السّاخرة، وفي المقابل ليس الكاتب السّاخر بأفضل من غيره أو مميزاً أكثر حتّى يصيبه الغرور ويتعالى على الآخرين.. باختصار القصّة السّاخرة موهبة والكثير ممّا سمعته ليس بقصّة ساخرة”.